نتيجة للعوامل الاقتصادية وتطوراتها المختلفة، وكذلك العوامل الثقافية التي تغذت من رافدي: الغزو الثقافي وطوفان العمالة الوافدة، لم تتغير فقط أشكال الحياة المعيشية اليومية فحسب، ولا نمط الحياة عند الفرد والمجتمع نتيجة لعملية التحديث الشاملة التي شهدتها المملكة بدءا من الوفرة التي طرأت عام 1973م فقط. بل طال التغيير حتى منظومة القيم الاجتماعية، والمعايير الأخلاقية. وتجد من عايشوا المجتمع قبل «الوفرة» وبعدها يكاد يصيبهم التحسر والحزن على ذلك الزمن الجميل، رغم أنهم كانوا حينها يعيشون حالة أقرب إلى الفقر والعوز، وكانت حياتهم شاقة وصعبة، ولكنها كانت تستقر على أسس ثابتة راسخة، ويحسون بأننا مقابل ما أخذنا من وسائل حديثة، ومساكن مهيأة صيفا وشتاء، ومقابل الرفاه المادي، فقدنا أشياء هم يحسون بأنها كانت أقيم وأغلى مما كسبنا. فقد خسر المجتمع ذلك الدفء الذي كان يستمده الفرد من المجموعة، وفقدنا العلاقات الإنسانية الحقيقية، لتحل محلها هذه العلاقات المادية المصلحية القاسية، والمشوهة، الكاذبة. نعم ربما يكون هذا مآل كل المجتمعات، وثمن التطور الذي تدفعه مقابل تشابك العلاقات، وتعدد مستوياتها وتنوعها وتعقدها. إلا أن الشيء الذي لا مجال إلى تبريره هو هذا التشوه الذي لحق بالمجتمع، فلم يعد هو ذات المجتمع. إذ عد اللباس الثوب والعقال لم يعد هناك شيء في حياة الناس يخبر عن هويتهم، لا على مستوى التفكير، ولا على مستوى السلوك. وينطبق الشيء نفسه على النساء والأطفال. بل إن الأطفال هم التجسيد النموذجي لفقدان الهوية، فلا اللسان ولا الملبس، ولا المأكل، ولا الذوق الجمالي، كل هذا لا ينتمي إلى مجتمعنا السعودي الأصيل. وهذا بشكل أساسي يعود إلى أن طوفان العمالة الوافدة لاحق المواطن وتسلل إلى مطبخه ومرقده وكل زوايا البيت، وترك في كل زاوية بصمة قد لا تزول، خاصة بعد أن تسللت وشكلت وجدان أطفالنا الذين تركناهم تحت رعاية الخادمة. كل هذا يزيد من مسؤولية تغيير هذا الوضع المائل وإعادته إلى الوضع الصحيح. لذا فإننا حين نتحدث عن السعودة يجب أن نضع في اعتبارنا أن حياتنا الآن أصبحت مشوهة بعد أن تشوهت هويتنا.. وأن السعودة، قبل أن تعنى بإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة لتوفير فرص العمل لأبنائنا لتصب أموالنا في جيوبهم بدلا من جيوب الوافد.. يجب أن تعنى سعودة الحياة.. أي أن تعيد إلى حياتنا ملامحها التي كادت تضيع.. أي أن نجعل حياتنا حياة سعودية.. حياة سعوديين .. فمن يعيد لنا ملامحنا؟!. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة