أثار خواطري حفل تخريج جامعة الملك عبد العزيز في القصيم الذي حظي بحفاوة بالغة من أمير المنطقة الذي شرف الحفل، ومواطنيها الذين تفاعلوا مع الحدث بما يليق به كمناسبة علمية، احتفاء وكرم ضيافة، الأمر الذي يدل على أصالة هذا الشعب ومدى تقديره للعلم والعلماء والمتعلمين، وهذا شيء نعرفه يقينا عن خبرة مثلما يدركه أبسط مواطن عاش في مجتمعاتنا قبل مراحل الوفرة حيث كانت الحياة بسيطة، وكان العلم بوابة التميز الاجتماعي المفتوحة الأبواب أمام كل ولي أمر أو طالب طموح، لقد أعادنا حفل القصيم إلى ذلك الزمن الجميل حيث كانوا يفرحون ويحتفلون بالصبي الذي أكمل حفظ جزء من القرآن الكريم. شيء ما في ذلك الحفل جعلني أشرد بذهني ليس بعيدا عنه، ولكنه طوف بي حول دلالات هذا الحدث، وتوقف عند نقطة معينة كثيرا ما أجد نفسي أعود إليها مرة اثر أخرى، ربما لأهميتها الرمزية والعملية الكبيرة، ألا وهي مسألة عالمية جامعاتنا ومكانتها بين الجامعات العالمية وموقعها التنافسي، وهذا أمر كثيرا ما أهمني وأقلقني، حيث درجنا على استجداء الاعتراف بمؤسساتنا الجامعية من الهيئات والجهات الأجنبية، وكان هذا السلوك يثير استيائي وحساسيتي لأنه في المقام الأول يكشف عن انعدام الثقة في أنفسنا ونعمل وعيننا على الآخرين لننال رضاهم واعترافهم بنا، علما بأننا إذا أجدنا ما نعمل على النحو الصحيح فلن نحتاج إلى اعتراف أحد أو جهة، لأن الإشادة بعملنا ستنطلق منهم ولو لم نطلبها، لأن عملنا وإنجازاتنا ستتحدث عن نفسها وتعلن عنا. لقد كتبت كثيرا عن هذه المشكلة التي تمثل هاجسا عصابيا عند مؤسساتنا، فقد لاحظت أن بعض مؤسساتنا الصحافية وقبل فترة ليست ببعيدة دخلت سباق أو مزاد و «حراج» شهادات الاعتراف هذا، ومن شركات في الغرب لا تبخل بأرفعها لمن يدفع، وكان هذا يحز في نفسي كثيرا، جالت هذه الخواطر بذهني وأنا أتابع فعاليات الحفل، ويبدو أن احتفاء الأمير وكرم أهل القصيم وفرحتهم بمناسبة تخرج أبنائهم هي التي أثارتها في نفسي، فقد أكدت لي بأن الشهادة يجب أن تنالها أي مؤسسة خدمية من مجتمعها أولا، والذي لا يمنح شهادة الجدارة إلا للمؤسسة التي تقدم له خدمة متميزة يستشعرها ويحسها ويلمسها بيديه.. تأكدت لدي هذه القناعة في الحفل، وتأكد لي بشكل شخصي أن الجامعة التي ترعرعت في حضنها طالبا شابا وكدت أشيخ فيها معلما، تسير بخطى قوية لا لتطبيق هذه القاعدة فحسب، بل وتسعى سعيا حثيثا لترسيخها وعيا وثقافة، ليس بين منسوبيها فقط بل وفي مجتمعها، ويكفي للدلالة على ذلك تمدد أفرع جامعة الملك عبد العزيز في كثير من مناطق المملكة، تطبيقا لسياسة إدارتها بأن تسعى الجامعة للمحتاجين لخدماتها في مناطقهم ولا تنتظرهم في مقرها الرئيسي بجدة، ولا تكاد تخلو منطقة في المملكة كلها من خريج من جامعة الملك عبد العزيز، وهكذا ينبغي أن يكون حال الجامعات، أن يشعر المجتمع بتأثيرها في حياته ودورها في تطوره ورقيه. * أكاديمي وكاتب سعودي. www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة