ساعد هدوء الرياح التي أشعلت حرائق الغابات في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية فرق الإطفاء على إحراز بعض التقدم في السيطرة على الحرائق الجمعة، لكن رياحا عاتيا متوقعة خلال الأيام المقبلة قد تعيد إشعال النيران. وأسفرت الحرائق التي دمرت أحياء لوس أنجلوس على الجانبين الشرقي والغربي من المدينة مترامية الأطراف حتى الآن عن مقتل 10 أشخاص وتدمير ما يقرب من 10 آلاف مبنى. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام. وقالت كاريس باس رئيسة بلدية لوس انجليس في مؤتمر صحفي "نحن نبذل قصارى جهدنا للسيطرة على الوضع... نحن نعلم أننا سنشهد زيادة محتملة في قوة الرياح في بداية الأسبوع". وقال الرئيس جو بايدن إن المسؤولين الاتحاديين يتوقعون أن تظل الرياح مصدر تهديد حتى أوائل الأسبوع على الأقل. وتراجعت أسهم شركات التأمين الأميركية الجمعة بعد أن قدر محللون أن الخسائر المشمولة بالتأمين والناجمة عن حرائق الغابات في لوس أنجلوس قد تصل إلى 20 مليار دولار، مما قد يجعلها الكارثة الأعلى تكلفة في تاريخ ولاية كاليفورنيا. وذكرت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية أن من المتوقع هدوء الرياح خلال يومي السبت والأحد إلى 20 ميلا في الساعة مقارنة بذروة 80 ميلا التي بلغتها في الأيام الماضية. وحتى صباح الجمعة كانت ثلاثة حرائق رئيسة لا تزال تستعر في لوس أنجلوس. فجانب باليسيدس وإيتون اندلع حريق قرب منطقة كالاباسس الراقية حيث منازل العديد من المشاهير والتجمعات السكنية المحاطة بأسوار. وتمت السيطرة بشكل كامل على حريق صن ست في هوليوود هيلز الخميس بعد أن التهمت النيران سلسلة من التلال المطلة على ممشى المشاهير في هوليوود بوليفارد. ويعتبر حريقا باليساديس وإيتون الأكثر تدميرا في تاريخ لوس أنجلوس، إذ أتيا على أكثر من 34 ألف فدان (13750 هكتارا)، أي حوالي 53 ميلا مربعا أو مساحة أكبر من مانهاتن بواقع 2.5 مرة، وحولا أحياء بأكملها إلى رماد. وأدى حريق إيتون، الذي تمت السيطرة عليه بنسبة ثلاثة بالمئة الآن، إلى إتلاف أو تدمير أربعة إلى خمسة آلاف مبنى، بينما أدى حريق باليساديس، الذي تمت السيطرة عليه بنسبة ثمانية بالمئة الآن، إلى تدمير أو إتلاف 5300 مبنى آخر، بما في ذلك العديد من منازل نجوم السينما والمشاهير. غضب في لوس أنجلوس بعدما استحالت بمعظمها رمادا، تشهد شوارع ألتادينا دوريات يجريها عسكريون في الحرس الوطني، لكن سكان ضاحية لوس أنجلوس هذه يرون أن الجنود أتوا متأخرين. يقول نيكولاس نورمان البالغ 40 عاما بغضب "لم نر عنصر إطفاء واحدا عندما كنا نحول إخماد النيران في منزلنا بدلاء المياه". ويضيف المدرس في تصريح لوكالة فرناس برس "كانوا منشغلين جدا في انقاذ دارات الأثرياء والمشاهير في باسيفيك باليسايدس وقد تركونا نحترق نحن الأشخاص العاديين". إلا أن النيران لم تميز بين مواطن وآخر. ففي حي باسيفيك باليسايدس الراقي الذي كان أول منطقة تطالها النيران، يحمل الأثرياء الضغينة نفسها حيال السلطات. وتقول نيكول بيري "سلطات مدينتنا تخلت عنا كليا" معربة عن صدمتها الكبرى لنضوب المياه في نقاط التزود بالمياه أو غياب الضغط في الصنابير التي تستخدمها فرق الإطفاء. باتت دارتها الفخمة كومة من رماد. وبعد الصدمة الأولى، تطالب منسقة الملابس البالغة 32 عاما، بالمحاسبة. وتؤكد "كان ينبغي اعتماد تدابير للحؤول دون حصول ما حصل. لقد خسرنا كل شيء ولا أشعر بأي دعم من جانب سلطات مدينتنا من جانب رئيس بلديتنا الفظيع وحاكمنا". غير جاهزين أوقعت الحرائق الكثيرة المتواصلة على مشارف لوس أنجلوس، 11 قتيلا على الأقل فيما أتت النيران على أكثر من عشرة آلاف مبنى واضطُرت أكثر من مئة ألف شخص إلى مغادرة منازلهم. وفي تفسير ما حصل، تتحدث السلطات حتى الآن خصوصا عن الرياح العاتية التي بلغت سرعتها أحيانا 160 كيلومترا في الساعة والجفاف المسجل في الأشهر الأخيرة. إلا ان سكان كاليفورنيا المتضررين يعتبرون أن ذلك غير كاف. ويكثر الجدل والانتقادات من غياب رئيسة بلدية لوس أنجلوس كارين باس التي كانت في زيارة لغانا عندما انطلقت الحرائق وعدد عناصر الإطفاء المنخفض ونبضوب المياه في بعض فتحات المياه المخصصة لمحاربة النيران ونقص في عمليات تنظيف الأحراج. ويقول جيمس براون المتقاعد المقيم في ألتادينا الذي لا يزال مصدوما بتحول مدينته إلى "ساحة حرب"، "أظن أن السلطات لم تكن بحالة جهوزية بتاتا".والجمعة انتقدت رئيسة جهاز الإطفاء في لوس أنجلوس كريستين كرولي البلدية منددة باقتطاعات في الميزانية طالت جهازها. وقالت إن "ثمة نقصا متواصلا في الطواقم والموارد والأموال". وأشارت إلى أن "حجم المدينة تضاعف منذ 1960 لكن عدد ثكنات الاطفاء تراجع". وأوضحت كذلك أنها لم تبلغ بأن أحد الخزانات التي تغذي المنطقة كان فارغا، لأنه أغلق بسبب أشغال. ووعدت رئيسة البلدية بفتح تحقيق فيما أمر حاكم الولاية غافين نيوسوم الجمعة ب"تحقيق مستقل" حول عمليات التزود بالمياه في ثاني مدينة في الولاياتالمتحدة منددا بمشاكل "مثيرة جد للقلق". الجدل "سابق لأوانه" والتحدي كبير لهذا الثنائي الديموقراطي، فأكثر ولايات البلاد تعدادا للسكان والمعروفة ب"غولدن ستايت" تعتبر منارة لليسار الأميركي. ويصب الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترمب قبل أيام قليلة على عودته إلى البيت الأبيض، الزيت على النار. فقد ندد ترمب ب"عدم كفاءة وسوء إدارة" الرئيس الديموقراطي الحالي جو بايدن والحاكم نيوسوم. وهو لم يتردد في نشر معلومات خاطئة أكد من خلالها أن كاليفورنيا تفتقر إلى المياه بسبب السياسات البيئية الديموقراطية التي تحول مياه الأمطار لاستخدامها في حماية "نوع غير مفيد من الأسماك". لكن في الواقع تتأتى غالبية المياه المستهلكة في لوس أنجلوس من نهر كولورادو وتستخدم في القطاع الزراعي كأولوية. هذا الاستغلال السياسي يثير غيظ بعض الناجين في ألتادينا. يقول روس رامسي متنهدا وهو يزيل الرماد من بين انقاض منزل والدته "هذا أمر معتاد لدى ترمب، يحاول إثارة جدل من خلال معلومات خاطئة". ويرى المهندس المعماري البالغ 37 عاما "من السابق لأوانه توجيه أصابع الاتهام إلى أي طرف" مضيفا "يجب أن نركز على الناس الذين يحاولون استعادة حياتهم وإيجاد السبل لمساعدتهم". ومضى يقول "بعدها يمكننا أن نستوضح الأمور بالوقائع والمعطيات الصحيحة". سيارات الطوارئ التابعة لإدارة الإطفاء في طريق مولولاند (أ ف ب)