في خطوة تعكس رؤية استراتيجية طموحة، شهدت المنطقة العربية مؤخراً إعلاناً تاريخياً تمثّل في إعادة هيكلة «منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول» (أوابك) وتحويلها إلى «المنظمة العربية للطاقة» (AEO). جاء هذا القرار خلال الاجتماع الوزاري ال113 للمنظمة في الكويت، بمبادرة من المملكة العربية السعودية؛ التي تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز التكامل الإقليمي والدولي في قطاع الطاقة. فكيف يمكن لهذه المنظمة الجديدة أن تعزز مصالح الدول العربية وتواكب التحولات العالمية في مجال الطاقة؟ تأسست منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) عام 1968 في بيروت، بمبادرة من السعودية والكويت وليبيا. كان الهدف الرئيسي للمنظمة تعزيز التعاون بين الدول العربية المصدرة للبترول وتسهيل التكامل الاقتصادي فيما بينها. وقد أصبحت الكويت مقر المنظمة؛ التي توسعت لاحقاً لتضم 11 دولة عربية. لعبت (أوابك) دوراً حيوياً في تحقيق المصالح الاقتصادية للدول الأعضاء، وساهمت في ترسيخ مكانة النفط العربي في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى تصدير رؤية موحدة للقضايا المتعلقة بالنفط. لم يقتصر دور (أوابك) على التعاون الإقليمي، بل كانت منصة فعّالة لنقل وجهات النظر العربية إلى المجتمع الدولي. نظمت المنظمة مؤتمرات وندوات دولية لتعزيز الشراكة مع الدول الصناعية والنامية، وساهمت في تقريب وجهات النظر بين الدول المصدرة والمستوردة للطاقة. كما عملت على تسهيل الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة في مجال الطاقة، عبر تعاونها مع معاهد عالمية مثل معهد أكسفورد لدراسات الطاقة. هذا الدور الدولي جعلها جسراً للتواصل بين العالم العربي والمجتمع الدولي. مع تحولات القطاع وضرورة إعادة الهيكلة وتغير المشهد العالمي للطاقة، أصبحت الحاجة مُلحة لإعادة هيكلة المنظمة لمواكبة التحديات والتحولات المتسارعة، بدءاً من التحول نحو الطاقة المتجددة إلى التزامات مواجهة التغير المناخي. جاء الاقتراح السعودي استناداً إلى المادة 36 من النظام الأساسي للمنظمة؛ التي تسمح بتعديل الاتفاقيات استجابةً للمتغيرات. وقد تضمن الاقتراح السعودي تحويل تركيز المنظمة من البترول فقط إلى الطاقة بمفهومها الشامل، بما يشمل الطاقة المتجددة والنظيفة، وهو ما ينسجم مع الرؤية السعودية 2030 التي تركز على التنمية المستدامة والابتكار. يشهد العالم ثورة تكنولوجية غير مسبوقة في مجال الطاقة، تشمل تطوير تقنيات تخزين الطاقة والذكاء الاصطناعي، فضلاً عن زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية والرياح. تمثل إعادة هيكلة المنظمة فرصة للدول العربية لتعزيز استثماراتها في هذه المجالات، مما يمكنها من الحفاظ على تنافسيتها في الأسواق العالمية. كما يُتوقع أن تسهم المنظمة الجديدة في دعم الابتكارات التكنولوجية عبر توسيع مجالات البحث العلمي وتشجيع المشروعات المشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص. من أبرز ملامح التحول الاستراتيجي للمنظمة الجديدة هو توسيع نطاق العضوية ليشمل جميع الدول العربية، بغض النظر عن كونها منتجة للبترول أم لا. هذه الخطوة ستسهم في تحقيق تكامل أعمق بين الدول العربية، حيث يمكن للدول غير المنتجة للبترول أن تستفيد من خبرات الدول المنتجة، بينما توفر الدول ذات الإمكانات الكبيرة في مجال الطاقة المتجددة إضافات نوعية. يُتوقع أن يؤدي هذا التعاون الموسّع إلى تأسيس شراكات استراتيجية تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.. تمثل إعادة هيكلة (أوابك) وتحويلها إلى (المنظمة العربية للطاقة) خطوة استراتيجية كبيرة نحو تعزيز مكانة الدول العربية في قطاع الطاقة العالمي، وذلك من خلال التركيز على الابتكارات التكنولوجية، وتوسيع العضوية، وتعزيز التعاون العربي، تسعى المنظمة إلى مواجهة التحديات المتزايدة وضمان تحقيق التنمية المستدامة. إنها رؤية تستشرف المستقبل، وتضع أسساً جديدة للتعاون الإقليمي والدولي، بما يضمن أمن الطاقة للأجيال القادمة.