شدد قضاة واختصاصيون على أهمية تفعيل بدائل الأحكام التعزيرية وتبنيها، كما أكدوا أهمية تقنينها وتشكيل لجان لمتابعة تنفيذ هذه الأحكام بالتعاون مع الجهات المختصة. وفيما تنظم وزارة العدل السبت المقبل ملتقى عن الأحكام البديلة، أوضح قاضي المحكمة الجزئية في محافظة القطيف الشيخ مطرف البشر، أن الأحكام البديلة تدخل في باب «التعزير» الذي لا يوجد نص شرعي يحدد العقوبة فيجتهد القاضي ناظر القضية في إصدار عقوبة في الغالب تكون تقديم خدمة اجتماعية والمشاركة في أعمال عامة يكون نفعها عائدا للمجتمع وللمتهم أيضا. وحول الدلائل التي يعتمد عليها القاضي لإصدار مثل هذه الأحكام التعزيرية أشار البشر إلى أن القاضي يعتمد على ملابسات وقوع القضية وحال المتهم وصغر سنه وعدم السوابق ومدى ندمه ومعرفته للخطأ الذي وقع منه، وكذلك نوعية القضية، وفي الغالب أن مثل هذه الأحكام تصدر في حق الأحداث وصغار السن والفتيات في القضايا اليسيرة التي تقع منهم ولا يوجد فيها حق خاص، وكذلك من الأمور المهمة التي يعتمد عليها القاضي عدم استخدام العنف ممن وقعت منه هذه المخالفة وغير ذلك من الأمور. الكاتب في صحيفة الحياة حسن بن سالم، رأى من جانبه أن العمل بالأحكام البديلة في المحاكم لن يكون ذا جدوى وفائدة إن لم يسبق بقناعة تامة من القضاة بأهمية تطبيقها بديلا لما اعتادوا عليه من الحكم بالسجن والجلد في معظم العقوبات التعزيرية. واستدل بدراسة أعدها أستاذ علم الاجتماع والجريمة المشارك الدكتور عبدالله اليوسف والتي أوضحت أن ما يزيد على 50 في المائة من القضاة في المحاكم الشرعية يرون أن السجن أفضل وسيلة لمعاقبة المخالفين، ولا ينظرون إلى أن للسجن ضررا على المسجون في ما يتعلق بعزلته عن المجتمع، أو ضياع أسرته بشكل مباشر، في حين عارض كون السجن أفضل وسيلة للعقاب ما لا يقل عن 70 في المائة من الاختصاصيين الاجتماعيين. وأبان أن عقوبة الجلد كانت وفق الدراسة الخيار والبديل الأول المفضل لدى القضاة، وعلى رغم قناعة بعضهم بنجاح تجارب الأحكام البديلة إلا أنهم يرون أن من الضروري الإبقاء على العقوبة التقليدية حقا من حقوق القاضي، مضيفا «لعل ذلك التوجس والهاجس مرده للشعور والإحساس بأن الحكم البديل من شأنه التقليل من هيبة القضاء ومن حاجز العقوبة الرادعة، ولاشك أن هذا يستدعي القيام بحملات ومؤتمرات تثقيفية للعاملين في سلك القضاء، بأهمية تغيير العقوبات التعزيرية التقليدية، التي كانت تتناسب مع زمان ومكان معينين». ونبه إلى إشكالية تبقى هنا، إذ إن معظم المؤيدين والمتحمسين لتطبيق بدائل عقوبة السجن يرون أن الأصل فيها عقوبة السجن أو الجلد من حيث التعيين والتقرير، والتقدير راجع إلى اجتهاد القاضي المستند إلى النظر المصلحي، الذي يناسب الواقعة والفاعل والمجتمع والزمان والمكان، فيبقى إصدار العقوبات التعزيرية في حيز اجتهادات القضاة. وأوضح أن هذا يدعونا للتأكيد مجددا على أهمية وضرورة وضع مدونة لتقنين الأحكام التعزيرية، ووضع ضوابط وشرائط لهذه الأحكام، إذ الحاجة تبدو ملحة لأن يكون ثمة تقنين واضح مكتوب لمثل تلك العقوبات، ولعل البدء بتطبيق الأحكام البديلة يكون مدخلا لتسهيل عملية تقنين الأحكام القضائية في المستقبل القريب. تخفيف العبء لكن الكاتب في صحيفة الرياض عابد خزندار يؤيد هذا النهج من القضاة، مرحبا باقتراح رئيس محاكم المنطقة الشرقية الشيخ عبد الرحمن آل رقيب الذي يقضي بتطبيق أحكام تأديبية محل الأحكام التعزيرية، وعرض بعض الأسباب لذلك، مشيرا إلى أن أبرزها تخفيف العبء على السجون وإلزام الحاصل فيها، إضافة إلى ابتعاده عن رفقاء السوء داخلها الذين يقضون عقوبة كبيرة إثر الجرائم الكبيرة التي ارتكبوها، والأخذ في الاعتبار حال أسرته، وبخاصة إذا كان الشخص الوحيد الذي يعولها، مضيفا «مشروعية هذه الأحكام تأتي بهدف إبعاد الظلم عن الشخص، إضافة إلى أنها قد تكون سببا في هدايته وتنمية مهاراته الفردية». الخيار الأمثل ومن زاوية أخرى تؤكد الأكاديمية أميمة بنت أحمد الجلاهمة أن الأحكام البديلة هي الخيار الأمثل في حالات كثيرة، مثمنة للقاضي في المحكمة الجزئية في بريدة الشيخ إبراهيم القفاري إصداره لحكم بديل. ورجحت الجلاهمة أن يكون القاضي نجح في إصداره لتلك الأحكام، إذ إن من حكم عليهم أحداث ولم يكونوا من أرباب السوابق وسينفذون الأحكام البديلة، لافتة إلى أن السجن يمهد لهم الطريق لمخالطة أرباب السوابق، ففي تلك الأجواء المنعزلة التي يوفرها السجن قد يجد الحدث الرعاية والاهتمام من أصحاب السوابق، الذين قد يسمعوه المبررات لخروجه عن القانون، فيزيد السجن من تمرده، بل وقد ينال دورات مكثفة في عالم الجريمة يخرج بعدها مجرما متمرسا حاقدا. وجزمت بأن الأحكام البديلة تجربة تستحق النظر والدراسة والتعميم، لافتة إلى أن المذنب يخرج منها أكثر فاعلية وثقة بنفسه جراء تقدير العامة والخاصة له، فهو قد بذل وقته في حفظ كتاب الله سبحانه أو في خدمة جمعيات خيرية تستهدف خدمة المجتمع، وبدل أن يستقبل من محيطه بعتاب ولوم يستقبل بترحيب وتهنئة. الحكم المناسب الأخصائي الاجتماعي سامي الشاهين يؤيد بشدة تفعيل الأحكام البديلة، ويفضلها بقوة على الحكم بالسجن، مشيرا إلى أن بعض الأشخاص يدانون بتهم هم براء منها، وأن الحكم البديل يكون مناسبا في هذه الحالة، مستدركا «قد توجد قضايا قوية فيها إجرام وتعد على الحق العام والخاص، فهذا يحكم عليه بالسجن مع التكليف بأعمال أخرى». وأضاف «هذه البدائل تخدم المجتمع فقد يستفاد من المفحطين المقبوض عليهم في قضايا التفحيط بإشراكهم في دورة عسكرية كالأمن العام أو في مكافحة المخدرات وهكذا»، لافتا إلى أن مثل هذه الأحكام تحد من جرائم عديدة مثل السرقة، فيكلف المقبوض عليهم في هذه الجرائم بالعمل الشاق في أي مكان، لكن مع السجن. الجنح اليسيرة بدوره، يرى الأخصائي الاجتماعي نايف البقمي أن تطبيق العقوبات البديلة على الأحداث مفيدة جدا، بشرط أن تكون على ذوي الجنح والجرائم المحددة. وأكد البقمي أن سجن الأحداث يعقب ألما بالنسبة للأحداث ويتسبب في إحداث مشاكل أسرية وعائلية ونفسية ومجتمعية على المدى البعيد. وعن مدى تقبل المجتمع لهذه العقوبات، أوضح الأخصائي الاجتماعي أن المجتمع يتقبل هذه الفكرة، لأنها مهما تكن فإنها أفضل من السجن، لأن ابتعاد الحدث عن أهله ينمي فيه الجريمة ويعيده مرة أخرى إلى السجن الذي يجمع ذوي الجرائم الكبيرة والصغيرة، مستشهدا ببعض الوقائع التي عاد فيها أحداث تم سجنهم في جنح يسيرة بقضايا أكبر إلى السجن. ضرورة التدرج ويشير أستاذ السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء الدكتور سعد بن مطر العتيبي إلى أنه عقدت عدة جلسات ومؤتمرات للنظر في بدائل السجن والتي يؤيدها ويعتبرها أكثر إصلاحا لمن يرتكب بعض المخالفات التي لا ترتقي إلى درجة التجريم بالنص، مشددا على ضرورة التدرج في مسألة تطبيق هذه البدائل والتي من بينها الخدمات الاجتماعية لتفادي توسيع ساحة المعارضين مما لا يرون بتأثير بدائل السجن على تقويم سلوك المخالفين والجانحين. وأشار إلى أن قاضي المحكمة بإمكانه استعاضة السجن بحق بعض المخالفين بإجراء مسوح كشفية لعدد من منازل الفقراء إلى جانب توزيع المساعدات العينية والمادية للمحتاجين وخدمة المشاعر المقدسة في شهر رمضان أو موسم الحج. ورأى أن السجن حاليا أصبح يخرج مجرما وليس شابا صالحا، مضيفا أن العديد من الجرائم أخذت بالنشوء من داخل السجن نتيجة الاحتكاك بمن امتهن ويتميز في القضايا الإجرامية. غياب الآلية وتكمن هناك إشكالية يوضحها القاضي في محكمة رأس تنورة الشيخ أحمد بن عبدالله الجعفري، إذ يلفت إلى وجود عوائق تحد من الحكم البديل في الوقت الراهن من أهمها عدم وجود آلية واضحة، وكذلك غياب الإشراف القضائي على تنفيذ العقوبات وعدم وجود قاض مختص بالإشراف عليها. وأشار الجعفري إلى أن هناك ممانعة واعتراضا للأحكام بسبب بعض الأعراف والتقاليد الاجتماعية. وعن نظرة المجتمع لهذه الأحكام، قال «في ظني أن ثمة تقبلا وتأييدا من الشرائح المهتمة في المجتمع بهذا النوع من العقوبات ونلمس ذلك من خلال الحديث مع المهتمين والتفاعل الإيجابي مع الأخبار التي تنشر هذا النوع من الأحكام». وأكد أن الهدف العام لتشريع العقوبات في الشريعة الإسلامية هو حماية المجتمع من الجريمة وحفظ نظامه وذلك من خلال تشريع عقوبات تردع الجاني وتزجر غيره والأخذ بعقوبات وتدابير تسهم في تقويم واستصلاح الجاني ومساعدته في التخلص من السلوك المنحرف، مشيرا إلى قول الفقيه ابن فرحون في تعريفه للتعزير بأنه تأديب استصلاح وزجر على ذنوب لم تشرع فيها حدود ولا كفارات. وأضاف، «في تقديري أن بدائل السجن تسهم في تحقيق الهدف الثاني وهو التقويم والاستصلاح، مما يساعد في تحقيق الهدف العام للعقوبة في الشريعة الإسلامية، وقد قال العز بن عبدالسلام: مهما حصل التأديب بالأخف من الأفعال والأقوال والحبس والاعتقال لم يعدل إلى الأغلظ؛ إذ هو مفسدة لا فائدة فيه لحصول الغرض بما دونه».