أجمع عدد من القضاة والمستشارين الشرعيين والتربويين على جدوى وفعالية بدائل العقوبات التعزيرية للسجين ، ومدى النتائج الكبيرة المتحققة من تفعيلها، مؤكدين أن تلك البدائل أعادت بطريقة حسنة تأهيل واندماج المخطئ مع مجتمعه، وحمّلته مسؤولية المشاركة الفاعلة في بناء وإصلاح نفسه ومجتمعه. ومن هذا المنطلق طالب المستشار الشرعي والحقوقي الشيخ حمد بن عبدالله بن خنين بتفعيل التوصيات الواردة في وثيقة الرياض من خلال الندوة التي أقامتها الجمعية بشأن بدائل العقوبات ، مؤكدا على أننا نعيش في وقت ازدادت معه معدلات الجريمة وتنوعت , فتكدس السجناء وضيق السجون, يحتم ضرورة الاجتهاد بإيجاد وسائل مناسبة إصلاحية بدلا من عقوبات التعزير التي غالبا ما تتفاوت فيها الأحكام القضائية حيث تأتي من اجتهادات القاضي مما يتطلب تقنين الأحكام مما يتوجب تقنين الأحكام التعزيرية حتى نقضي على تفاوتها، ومن تلك الوسائل الدعوة للأخذ ببدائل عقوبة السجن المنسجمة مع الشريعة الإسلامية و المعمول بها في بعض دول العالم, فعقوبة السجن أصبحت تكلف الدولة عبئا كبيرا من حيث تكفلها بشؤون السجين. وقد صدر الأمر السامي البرقي رقم 2523/م ب و تاريخ 19/3/1430ه الموجه أصلا لصاحب السمو الملكي النائب الثاني وزير الداخلية الداعي إلى تشجيع الأخذ ببدائل عقوبة السجن المالية و البدنية و الاجتماعية و التدابير المقيدة للحرية الواردة بوثيقة الرياض و غيرها, مما يمكن تطبيقه من البدائل من قبل المحاكم و جهات القبض و التحقيق و الادعاء العام على مرتكبي المخالفات لأول مرة. أو القضايا البسيطة التي لا تشكل خطرا على المجتمع. وبين ابن خنين : أن بدائل السجون احتلت الموضوع الرئيسي للمؤتمر الدولي للسجون عام 2000م الذي عقد بجامعة مدينة لستر بإنجلترا في ابريل عام 1994م. والمؤتمر الأول لمكافحة الجريمة الذي عقد بمركز البحوث الاجتماعية و الجنائية بالقاهرة في يناير 1961م، قد أوصى بإلغاء عقوبة الحبس قصير الأجل و أن تستبدل به عقوبات بديلة. كما أن تأكيدات مدير عام السجون دليل على التوجه القريب لتنفيذ ذلك . وأقترح فضيلته (14) عقوبة بديلة من بدائل العقوبات التعزيرية الممكن تطبيقها ، وهي: الغرامة النقدية: كعقوبة الرشوة والتزوير و الاختلاس من المال العام وجرائم الشيكات و الجرائم المرورية وغيرها. مشيرا بالقول إلى أنه لو أصدرت مدونة تعزيزية تشمل كل الجرائم التعزيرية تلزم القاضي بعقوبة الغرامة لتفادينا عقوبة السجن.ولقد أثبتت نجاحها في كثير من الدول , وما عقوبات ساهر لدينا سوى دليل على نجاحها ومنها أيضا عقوبة الخدمات الاجتماعية: كفتح طريق و تكليفه بتنظيف مسجد الحي لفترة، و نظافة المدرسة و نظافة الشارع، أو زيارة المرضى لفترة معينة و تقديم خدمات للمسنين من شراء حاجياتهم و القيام بتمريضهم و الاهتمام بالحدائق و المتنزهات العامة و المشاركة في برامج الحفاظ على البيئة و نحو ذلك. وعقوبة الأساور الاليكترونية: بحيث تقيد حرية المحكوم في إطار مكان معين لا يتجاوز عدة كيلومترات لكي يستطيع الذهاب إلى عمله وقضاء حاجياته بنفسه. فإذا تجاوز المسافة المحددة لحركته فإن السوار الاليكتروني يرسل ذبذبات لأقرب قسم شرطة لتتم متابعته، وعقوبة ومراقبة السيرة والسلوك و توجيهه و إصلاحه وعقوبة العمل في مكان مقفل فترة معينة: في مصنع أو معمل, ونحو ذلك وعقوبة الحرمان من بعض الحقوق: كالمنع من دخول النوادي لفترة من الزمن أو الحرمان من قيادة السيارة لفترة زمنية معينة ، و تفيد هذه العقوبة في المخالفات المرورية مثلا وعقوبة ترحيل الأجانب: وهي عقوبة معروفة ومطبقة، وعقوبة الإبعاد فترة معينة عن مكان الجريمة، وعقوبة نظام الاختبار القضائي: وبمقتضاه يظل الجاني تحت المراقبة القضائية بإشراف القاضي نفسه وبمتابعة رقابية من الأجهزة الأمنية كالشرطة و المباحث العامة. أو حتى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإذا حسن الجاني سلوكه سقطت العقوبة و يصدر حكم من القاضي بذلك ، وعقوبة التعليم و التثقيف: كحفظ القرآن الكريم و الأحاديث النبوية. و حضور برنامج التعليم والتدريب، ومحاضرات التوعية ،وعقوبة مصادرة الأموال: مثل جرائم الغش التجاري و الرشوة و الاحتيال، وعقوبة دفع تعويضات للضحية أو ذويه: مثل جرائم السب و الشتم و جرائم المال ( السرقة غير الحدية، الغش، التحايل، جرائم الغصب، و النهب)، وعقوبة الإخضاع للعلاج النفسي أو الطبي، وعقوبة التأنيب و النصح من قبل القاضي والحكم الإداري، مطالبا في سرعة تنفيذها، مؤيدا إقدام بعض القضاة على تنفيذ أحكام قضائية تعزيرية. وأكد المستشار الشرعي أن هذه البدائل قد تساهم بشكل فاعل للحد من الجريمة، بمعنى انه يشترط في تطبيقها تحقيق الردع، كما أن على القاضي أن يلاحظ في تقدير العقوبة نوع الجريمة و زمانها و مكانها و ما يترتب عليها. فتختلف عقوبة من كان باعثه على ارتكاب الجريمة الانتقام و الحسد عمن كان باعثه الغيرة وخشية العار, و كذلك على القاضي أن يراعي ما يتعلق بحالة المجرم من حيث السن و المعيشة و العقل وما يتعلق بسلوكه بعد ارتكاب الجريمة و إذا اقتضت حماية الجماعة من شرّ المجرم تم حبسه. فالهدف من العقاب هو الصلاح للأفراد و حماية المجتمع، مختتما حديثه بقوله: لقد حان الوقت اتخاذ نظام يتناسب مع واقعنا للأخذ به و تطبيقه حيث لاقى صدى طيبا عندما أخذ به عدد من القضاة المعاصرين مما يحتم التشريع بذلك ووضع آلية تنفيذ لإنجاحه. قاضٍ: تشعرالسجين بفاعليته مجتمعيًا ولم أحكم على أحد وعاد مرة أخرى فيما بيّن الشيخ مطرف البشر القاضي بالمحكمة الجزئية بالقطيف أن هذه الأحكام والتي تم التعارف عليها باسم الأحكام البديلة هي داخلة في باب التعزير الذي لا يوجد نص شرعي يحدد العقوبة فيجتهد القاضي ناظر القضية في إصدار عقوبة في الغالب تكون تقديم خدمة اجتماعية والمشاركة في أعمال عامة يكون نفعها عائدا للمجتمع وللمتهم أيضا. وعن مقصودها قال : إعطاء المتهم فرصة لتصحيح الخطأ الذي وقع منه وإشعاره بأنه جزء فاعل في المجتمع. وحول ما يعتمد فيه القاضي على إصدار مثل هذه الأحكام التعزيرية أشار إلى أن القاضي يعتمد على ملابسات وقوع القضية وحال المتهم وصغر سنه وعدم السوابق ومدى ندمه ومعرفته للخطأ الذي وقع منه، وكذلك نوعية القضية وفي الغالب أن مثل هذه الأحكام تصدر في حق الأحداث وصغار السن والفتيات في القضايا اليسيرة التي تقع منهم ولا يوجد فيها حق خاص وكذلك من الأمور المهم التي يعتمد عليها القاضي عدم استخدام العنف ممن وقعت منه هذه المخالفة وغير ذلك من الأمور. وفيما يخص المنافع التي لمسها ممن حكم عليهم أوضح البشر بأن النفع والآثار كثيرة في تطبيق هذه العقوبات فقد لمسنا تجاوبا كبيرا من الأشخاص التي توقع عليهم مثل هذه العقوبات وفي الغالب لم يصدر منه بعدها أي مخالفة وهذا يدل على استفادة من هذه الفرصة التي أعطيت له، وأنا لا أذكر أحدا حكمت عليه بعقوبة بديلة وعاد مرة ثانية، كما ان من أهم فوائدها تقديم خدمة عامة للمجتمع وإشعار المحكوم عليه بأنه جزء مهم من مجتمعه والواجب عليه المحافظة على أمنه واستقراره ، كما ان أهل المحكوم عليه يتفاعلون بشكل كبير في متابعة ابنهم حرصا منهم على عدم دخوله السجن، كما أنها خففت من معاناة السجون من كثرة المساجين وما يكلف السجين الدولة مبالغ كبيرة. مستشار اجتماعي: لبدائل العقوبات أثر نفسي واجتماعي بالغ الأهمية من جانبه قال المستشار الاجتماعي والكاتب الصحفي عبدالعزيز علي السويد: إن التعزير التربوي أو التربية بالتعزير كمال لمقاصد العقوبات في الإسلام , فالإسلام وكذا الفلسفة لا تنظر للإنسان بكونه مجرما جانحا ابتداء , ولكن السياق العام المنتج لظروف الجريمة والجنحة هو المسؤول الأول عن ذلك , لذا ينظر في الإسلام على أن العقوبات التعزيرية بأنها تربية وإصلاح وتأديب وليس للتشفي والانتقام , ولأنه اتضح من التجارب في كثير من بلدان العالم أن من عيوب الأحكام التعزير بالسجن ما يحصل للمسجون من نتائج سلبية وذاك حين اختلاطه بالمسجونين الذين يغلب على بعضهم الفساد والإفساد، فهو إن كان صالحاً قد يفسد، وإن غير ذلك قد يفسد غيره؛ لما علم من قوة تأثير الخلطة في الأخلاق سلباً وإيجاباً. كذلك عقوبة الجلد لما فيها من امتهان ومذلة وربما أضرار بدنية وصحية ووجد من التجارب وخاصة في الأحكام القضائية المتأخرة ان بدائل السجن والجلد مثل أحكام التعزير البديلة مثل الخدمة العامة للمرافق والخدمات الاجتماعية ذات أثر نفسي إيجابي بالغ يغير من ذهنية الجانح نحو الميل للسلام والأمن الاجتماعي والمشركات العامة , لأن العقاب التعزيري بالخدمات العامة , يهيئ لشخصية الجانح الانفتاح والانسجام مع المجتمع ويؤكد ثقته بنفسه واعتزازه بمجتمعه ووطنه وبيئته , ويحوله إلى إنسان صالح مشارك للمجتمع والناس وتترقى عاطفته الشخصية بالأعمال الإنتاجية التي يقوم بها ويسعد بحضوره الاجتماعي . أيضا فالعقوبات البديلة عن السجن والجلد في الأحكام التعزيرية , تجعل التوبة النصوح الصادقة والرجوع عن الأخطاء ممكنة وميسرة ومقنعة بالنسبة للجانح , ولا تسئ لسيرته وسمعته وعائلته , فكل ما كان العقاب تربوياً وفاعلاً ومنتجاً ويلبي الحاجات النفسية والاجتماعية لدى الخاطئ , كلما تضاءلت العوامل المسببة للإجرام واستطاع المجتمع التقليل من عواقب العقوبات وأثرها السيئ. تربوي: لها نتائجها الايجابية النفسية والتربوية على السجين أكد عضو هيئة التدريس بكلية التربية بجامعة أم القرى الدكتور عبدالعزيز قوقندي أن الأسلوب الحديث لبدائل عقوبات السجن خاصة للأحداث قد اثبت وبلا شك فعاليتها، وحققت نتائج مذهلة في تأنيب المعاقب وتعريفه بخطئه وما وقع فيه من ذنب ارتكبه، فكانت تلك النتائج المأمولة والمتوقعة قد بلغت من القبول الدرجة الكبيرة ، فكانت بلا شك عونا في إخراجه من محيط الجرم ونقله إلى مرحلة متقدمة من التأهيل والبناء والصلاح في مجتمعه. وقال قوقندي: تلك النتائج كانت ملاحظة وإيجابية على الصعيد المحلي حينما استخدم بعض القضاة تلك الأساليب من بدائل العقوبات للسجن ، فكم من شخص ارتكب جرما ولعله يكون حدثا استقام بفعل البدائل لتلك العقوبات بإلحاقه ببعض البرامج التربوية المفيدة خاصة البرامج والأعمال الشرعية، لأن هذا الأمر في اعتقادي وافق الصحة والمطلوب شرعا وتربويا ونفسيا، ونال القبول برفعه النظرة السوداوية والدونية من المجتمع للسجين.وأكد قوقندي أن هذه البدائل تحقق الجانب التربوي والنفسي بدرجة عالية في هذا الجانب تحديدا وتؤهله تأهيلا نفسيا وتربويا واجتماعيا.