أكد الشيخ احمد بن عبدالله الجعفري القاضي بمحكمة رأس تنورة ان هناك عوائق تحدّ من الحكم البديل في الوقت الراهن من أهمها عدم وجود آلية واضحة وكذلك غياب الإشراف القضائي على تنفيذ العقوبات و عدم وجود قاض مختص بالإشراف عليها ، وأشار الشيخ الجعفري الى ان هناك ممانعة واعتراضا للاحكام بسبب بعض الأعراف و التقاليد الاجتماعية. وقد أجرت “ المدينة “ حوارا معه حول الحكم البديل فيما يلي مجرياته : * كيف انطباع المجتمع حول بدائل السجن والعقوبات الاجتماعية؟ - في ظني أن ثمة تقبلاً و تأييداً من الشرائح المهتمة في المجتمع بهذا النوع من العقوبات و نلمس ذلك من خلال الحديث مع المهتمين و التفاعل الإيجابي مع الأخبار التي تنشر هذا النوع من الأحكام . * ماذا عن الجانب التشريعي الإسلامي المتعلق بالعقوبات وعلاقته ببدائل السجن؟ - إن الهدف العام لتشريع العقوبات في الشريعة الإسلامية هو حماية المجتمع من الجريمة وحفظ نظامه و ذلك من خلال تشريع عقوبات تردع الجاني و تزجر غيره و الأخذ بعقوبات و تدابير تسهم في تقويم و استصلاح الجاني و مساعدته في التخلص من السلوك المنحرف , وقد أشار لهذا الفقيه ابن فرحون في تعريفه للتعزير بأنه تأديب استصلاح و زجر على ذنوب لم تشرع فيها حدود و لا كفارات , و في تقديري أن بدائل السجن تسهم في تحقيق الهدف الثاني و هو التقويم و الاستصلاح , مما يساعد في تحقيق الهدف العام للعقوبة في الشريعة الإسلامية و قد قال العز بن عبد السلام : مهما حصل التأديب بالأخف من الأفعال والأقوال والحبس والاعتقال لم يعدل إلى الأغلظ؛ إذ هو مفسدة لا فائدة فيه لحصول الغرض بما دونه. *ما الأسباب الى التفات الجهات القضائية لمثل هذه البدائل في الآونة الأخيرة؟ - مما ينبغي إيضاحه أولاً أن بعض التدابير و العقوبات التي اصطلح البعض على تسميتها بدائل السجن موجودة في الفقه الإسلامي و معمول بها قديما و حديثا كالجلد و التغريب و الغرامة و التشهير و غيرها و البعض الآخر من هذه التدابير مندرج في الأصل العام للعقوبات التعزيرية الموكول تقديرها لاجتهاد الحكام بما يوافق الشرع و يحقق المصلحة , ولأن من طبيعة المجتمع النمو و التطور في كافة المجالات و منها الجانب النظامي ، و القضائي الذي يستفيد من الدراسات الاجتماعية و النفسية في علم الإجرام و العقاب و يستفيد من التجارب المتوافقة مع الشريعة و من هذا الباب بدأ الأخذ بالعقوبات البديلة و لا شك أن تسليط الإعلام الضوء على هذا الموضوع له تأثيره أيضا . *هل هناك ضوابط لإيقاع مثل هذه البدائل؟ مما لا شك فيه أن الأخذ ببدائل السجن لا بد أن يكون بضوابط من أهمها في نظري : *هل تواجهون صعوبة في اصدار العقوبات البديلة ؟ - نعم ثمة عوائق تحد من الحكم بهذه البدائل في الوقت الراهن من أهمها: أولاً : عدم وجود آلية واضحة ومتكاملة تضمن تنفيذ هذه العقوبات البديلة بما يحقق المقصود منها . إذ ليس الهدف هو مجرد الحكم بها و إنما الهدف تحقيق الغاية من تطبيقها , ولعل من أسباب غياب آلية التنفيذ هو طبيعة هذه البدائل و كونها تحتاج لكوادر متخصصة في التطبيق ذات تأهيل خاص في الجوانب النفسية و الاجتماعية لا تتوافر عند من يباشر التنفيذ حالياً , كما أنها تستلزم إشراك جهات غير قضائية و لا أمنية كوزارة الشؤون الاجتماعية في التنفيذ . ثانياً : غياب الإشراف القضائي على تنفيذ العقوبات و عدم وجود قاض مختص بالإشراف على تنفيذ العقوبات أدى إلى عدم الثقة بجدوى الحكم بهذه البدائل .ثالثاً : عدم وجود نظام متكامل للعقوبات يحدد الجرائم وعقوباتها و ينص على أن العقوبات البديلة أسهم بشكل كبير في عدم الأخذ بها. رابعاً : أن الأنظمة الموجودة – كأنظمة مكافحة الغش التجاري و الرشوة والتزوير و نظام المرور و نظام مكافحة المخدرات و غيرها – لم تدرج هذا النوع من البدائل بالشكل الكافي. *هناك قلة من القضاة يقومون باصدار بدائل للسجن ؟ - نعم و ذلك للأسباب التي أشرت إليها أعلاه . *كثير من القضاة في المحاكم لايؤمنون بفكرة بدائل السجن فليس لديهم سوى السجن والجلد و لماذا لايكون هناك تنسيق بين القضاة وجهات معنية بالسجناء من اجل ترتيب العقوبات البديلة ؟ - أنا لا أتفق معك في هذه الجزئية بل أعتقد أن أكثر القضاة يؤمنون بأهمية الأخذ بالبدائل من حيث المبدأ و قد أجريت شخصيا دراسة استطلعت فيها وجهة نظر أكثر من سبعين قاضيا من مختلف محاكم الدرجة الأولى بالمملكة و كانت نسبة تسعة و تسعين بالمئة 99% منهم تؤيد من حيث المبدأ الأخذ بالبدائل . *هل للعقوبات البديلة اثر اجتماعي - نعم فهي كما سبق و بينت تسهم في تغيير نظرة المنحرفين لأنفسهم ولانتمائهم الوطني، وتعزز الشعور بهذا الانتماء، وتعرفهم بقيمة العمل التطوعي وخدمة المجتمع .و قد تكسبهم مهارات و خبرات . *هل العقوبات البديلة اتت لكثرة تكدس السجناء ام انه شرع لردع الجاني ؟ - قد يكون تكدس السجون أحد المبررات للأخذ بها لكنه ليس الوحيد . *هل هناك امتناع للعقوبات البديلة من المحكوم عليه ؟ - غالب الأحكام التي علمت بها لم تجد ممانعة بل ترحيبا و سمعنا عن بعض العقوبات التي لاقت ممانعة و لعل مرد ذلك لبعض الأعراف و التقاليد الاجتماعية و عموما فليس بمستغرب أن لا يتقبل البعض بعض الأمور التي لم يعتد عليها . * هل هناك رفض من قبل وزارة العدل او جهات اخرى للاحكام البديلة التي تصدرونها ؟ ليس لوزارة العدل صلة مباشرة بالأحكام التي تصدرها المحاكم , و أحيانا تعترض محكمة التمييز على بعض هذه الأحكام لمبررات تراها . *هل بات من الواجب مراجعة العقوبات التعزيرية السائدة، خاصة السجن ؟ - المراجعة و التقويم مطلب في كل عمل خاضع للاجتهاد البشري و قد أضحت الحاجة ملحة لمراجعة العقوبات التعزيرية السائدة - خاصة السجن - لعدم تحقيقها في كثير من الأحيان للهدف من العقوبة , ولما لها من سلبيات كثيرة خاصة في الجرائم البسيطة التي تستدعي مددا قصيرة من السجن . ايجابيات احكام البدائل *ما الفوائد المتوخاة من الحكم ببدائل السجن؟ إن العمل على تطبيق هذه البدائل سيحقق نتائج إيجابية كثيرة من أبرزها : 1- منح الجانح فرصة لأن يكون فرداً صالحاً في المجتمع بدمجه في المجتمع و احتكاكه بشرائح اجتماعية جيدة و إبعاده عن الوسط الإجرامي . 2- المساهمة في إصلاح الجانح مع الحد من الآثار النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية السلبية عل السجين و أسرته . 3- تخفيف ازدحام السجون و تقليل التكاليف المالية المصروفة على السجناء . 4- تغيير نظرة المنحرفين لأنفسهم ولانتمائهم الوطني، وتعزيز الشعور بهذا الانتماء، وتعريفهم بقيمة العمل التطوعي وخدمة المجتمع . 5-إكساب المحكوم عليه مهارات و خبرات جديدة تهيئه للعمل الوظيفي. 6- إشراك المجتمع في إصلاح و تأهيل الجانحين . *هناك منع فقهي يمنع العقوبات العبادية كاداء الصلاة في مسجد يبعد عن المنزل او الصوم لمدة شهر ؟ مارأيكم في هذه الاحكام ؟ - في نظري أن العقوبة بالإلزام بأداء عبادات تطوعية محضة كأن يعاقَب بالإلزام بقراءة مقدار من القرآن أو حفظه أو صيام أو صلاة عدد من الأيام و الركعات و نحو ذلك غير مناسب لما في ذلك من خروج عن مقصد الشارع من تشريع هذه العبادات وهو الخضوع لله و التقرب إليه , و لأن مبنى هذه العبادة هو التطوع و الاختيار و افتقارها إلى النية الخالصة , و لما قد يترتب على الإلزام بها من نفور النفس عنها , ولحصول المقصود من العقوبة بغيرها . و ليس في حديث مواصلة النبي الصيام بمن واصل كالمنكل بهم دليل لأن النبي لم يلزمهم به ابتداء بل نهاهم عنه و قد قال الطاهر بن عاشور في معرض تعليقه على هذا الحديث : هذا لا يعد من التشريع العام , بل هو من تربية الأصحاب و خاصة الرجل , فهو من باب النصيحة لأصحابه لا من باب التشريع العام. اقسام العقوبات البديلة *هل للعقوبات البديلة اقسام ؟ - يمكن تقسيم هذه البدائل إلى خمسة أقسام رئيسة هي أولاً : البدائل المالية كالغرامة و المصادرة والإتلاف و الحرمان من بعض الميزات المالية .ثانياً :البدائل المقيدة للحرية كالوضع تحت الاختبار أو المراقبة الإلكترونية ,و الحبس المنزلي و الحبس الجزئي أيام أو ساعات. ثالثاً : بدائل بدنية كالجلد و الإلزام بالخدمة الاجتماعية( العمل للمصلحة العامة). رابعاً : بدائل تربوية و علاجية كالإلزام بحضور دورات تدريبية أو جلسات توجيهية , أو الخضوع لبرامج علاجية . خامساً : البدائل المشتملة على وقف الحكم أو تنفيذه فترة محددة. ضوابط احكام البدائل أولا : أن تقتصر على الجرائم التي ليس لها عقوبة محددة شرعاً أو نظاماً. فما نص الشارع على عقوبته من الجرائم كجرائم الحدود - متى اكتملت شروط إقامتها - لم يجز العدول عنه إلى غيره , و كذلك الجرائم التي لها عقوبة محددة نظاماً لا يسوغ للقاضي مخالفتها باجتهاده . ثانياً : أن تقتصر على الجرائم التي لا تشكل خطرا على المجتمع . كالمضاربات البسيطة و القضايا الأخلاقية البسيطة و مخالفة بعض الأنظمة و غيرها مما لا يشكل خطراً على أمن المجتمع . ثالثاً : أن تقتصر على الجناة الذين لا تبرز فيهم نزعة إجرامية متأصلة . كالأحداث و من ليس لهم سوابق جنائية متكررة و ذوي الهيئات و المروءات الذين زلت بهم القدم و غيرهم ممن يرجى صلاحه و استقامته دو ن أن يعاقب بالسجن . رابعاً : أن يراعى فيها ظروف الجاني من حيث الجنس و السن و الوضع الاجتماعي و الصحي . خامساً : أن لا تتضمن انتهاكا لكرامة الجاني أو خصوصياته . لأن الإهانة ليست مقصداً من مقاصد تشريع العقوبة في الإسلام و لهذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم باجتناب الوجه عند ضرب التأديب . سادساً : أن تكون محققة للمصلحة المقصودة من شرع التعزير. سابعاً : أن لا ينتج عنها ضرر أكبر من ضرر السجن .سواء كان الضرر صحياً أو سلوكياً لأن القاعدة الفقهية تنص على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح , وذلك كالجلد المبالغ في عدده أو الغرامة الباهظة ونحوها . ثامناً : أن لا تتضمن محذورا شرعياً أو نظامياً .فمن المحاذير الشرعية التعزير بحلق اللحية أو إلزام المرأة بالعمل في مكان تحصل فيه خلوة بالرجال أو تتعرض فيه للفتنة و من المحاذير النظامية تشغيل الأطفال أو الأحداث في غير الحد المسموح به , أو الإلزام بالعمل أكثر من الساعات المحددة نظاماً .