يحمل القاضي في محكمة مكةالمكرمة الجزئية الشيخ فهد بن يحيى العماري، هموم تطوير العمل القضائي، وفي يده الأخرى قلما سيالا نتج عنه إصدار 14 كتابا في عدة فنون، بيد أن الشيخ النجدي الذي استقر في قبلة الدنيا بجوار الحرم المكي يطالب بالميكنة والحاسوبية في مجال القضاء. «عكاظ» التقت العماري في حوار فقال في بدايته: منذ قدومي للمحكمة الجزئية في مكةالمكرمة وأنا أحمل هاجس الأحكام البديلة، وقد جرى التواصل مع كثير من المسؤولين والأكاديميين والجمعيات الخيرية والمستشارين الاجتماعيين لتفعيل دور بدائل السجون. سألته عن الجانب التشريعي الإسلامي المتعلق بالعقوبات وعلاقته ببدائل السجن، فقال مجيبا: العقوبات نوعان، أحدهما حدود ولا مجال للاجتهاد فيها بزيادة أو نقصان بإجماع العلماء، والآخر تعزيري وهو محل اجتهاد القاضي ومنها السجن، وهي عقوبة اجتهادية، وأول من بنى السجن في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأول من اعتنى بالسجن والسجناء علي رضي الله عنه بل سمى السجن «نافع»، الذي يسمى في الوقت الحاضر «إصلاحية». البدائل وضوابطها • ما سبب التفات الجهات القضائية لمثل هذه البدائل في الآونة الأخيرة؟ «البدائل» بالنسبة لواقع السجون والمجتمع ونوعية مرتكبي الجريمة وحداثة سنهم أصبحت ضرورة ملحة ومصلحة عظمى، بها تدرأ كثير من المفاسد، وواجب الالتفات إليها وتضافر الجهود نحوها لتخفيف العبء من عدد السجناء، وذلك يلزم منه التقليل من الأعباء والالتزامات المترتبة على وجود السجين في السجن من عساكر وعاملين ومبانٍ وأمور مالية وغيرها، وعدم وجود الفائدة الكبيرة من وجود السجين داخل السجن، حيث أصبح لم يحقق مصلحة كبيرة، ووجوده في السجن له سلبيات منها انقطاعه عن عمله ودراسته والتعرف على أصحاب الجرائم لاسيما إن كان شابا وليس له سوابق، وانقطاعه عن والديه وأسرته، وقد يحقق ذلك ضياعا لزوجته وأولاده، وكم من أولاد وأسر انحرفت بسبب ذلك، وأن وجوده في السجن يكون عالة على المجتمع ويقتله نفسيا ويجعله منبوذا في المجتمع. • هل هناك ضوابط لإيقاع مثل هذه البدائل؟ الضابط أن يتحقق من خلال هذه البدائل التأديب والإصلاح اللذان هما الغاية من الحدود والتعزيرات الشرعية. • ما الفوائد المرجوة من الحكم ببدائل السجن؟ بالإشارة إلى ما ذكر سابقا؛ المحافظة على السجين واستصلاحه وتأهيله، والمحافظة على أسرته، واستفادة المجتمع منه واندماجه فيه، وتغيير البيئة والوسط الذي يعيشه، وذلك له دور في التأثير الإيجابي في حياة السجين، والإنسان يتأثر بمن حوله ومن يحاكيه، ويؤيده مصداق الحديث في الرجل قاتل مائة نفس فجاء للعالم وقال له أخرج من قريتك فإنها قرية سوء واذهب إلى القرية الفلانية فإن فيها قوما صالحين. العقوبات التعزيرية • ما مدى مشروعية العقوبات التعزيرية بالأعمال التطوعية والتعبدية، هل هناك محظور من ممارستها قضائيا؟ ذهب جملة من العلماء المعاصرين والقضاة إلى منع ذلك كإلزامه بحفظ القرآن، لأن القرآن لا يكون عقوبة ولكن قد يكون ذلك حافزا لتخفيف العقوبة كما هو متبع في نظام العفو عن السجناء بسبب حفظ القرآن. • ما أقسام العقوبات البديلة وأنواعها؟ منها الخدمية؛ كالعمل في تقديم خدمات مجتمعية من خلال الجهات الخيرية والتطوعية مدة من الزمن يقدرها القاضي، ورفع معنويات السجين بنوعية البدائل ولا نحطمه، وهناك عقوبات إصلاحية؛ مثل إلزامه بدخول دورات ومحاضرات تأهيلية وتثقيفية، ومنها عقوبات علاجية؛ كإلزامه بدخول المستشفى والعلاج مثل مدمني المخدرات أو المرضى النفسيين الذين بسبب المرض ارتكبوا جرائم، وهناك نوع تخفيف العقوبة في مدة السجن كحين التزامه بالسلوك والأخلاق والصلاة وحفظ القرآن داخل السجن فإنه يخفف عنه نصف العقوبة، ومنها التعزيرات المالية والعقوبات الوظيفية كالمنع من الترقية والإجازات أو عمل إضافي أو النقل التأديبي وغيرها. تطبيق البدائل • كيف تضمنون تطبيق الأحكام من قبل الشرطة والإمارة وما آلية ذلك؟ وأين تكمن صعوبة إصدار أحكام بالعقوبات البديلة من جانب القضاة؟ ضمان تنفيذ العقوبة البديلة هو أكبر مشكلة تواجه القضاة، لكن أتصور مع المستقبل تكون هناك آليات لضمان تنفيذ البدائل، وهناك معالجة جيدة وهي إذا لم يلتزم السجين بالبدائل فإنه يعاد لإتمام عقوبة السجن كاملة ويطلب من الجهة المتعاونة تقرير مفصل عن التزام السجين بذلك، وعلى الجميع ألا يحكموا بالفشل لهذا المشروع منذ البداية. • البعض يقول إن بعض القضاة يرفضون فكرة الأحكام البديلة أو التجديد في العقوبات، هل من تعليق ؟ ليس بصحيح بل يوجد أحكام لكن لم تنشر، وهي اجتهادات فردية من القضاة بالتنسيق مع الجهات الخيرية المتعاونة، ولكن حينما يكون هناك التبني الكامل لموضوع البدائل وآليات للتنفيذ فإن القضاة سيكونون من أحرص الناس على ذلك لأن القصد هو استصلاح الجاني، كما نأمل من الجميع أن يقدموا دراسات لنجاح المشروع ليقوم على أسس متينة وجودة متقنة ويحقق نجاحا في إصلاح السجين، ويكون ذلك بمنظومة متكاملة من المؤسسات الحكومية والخيرية. • هل هناك تنسيق بينكم وبين جهات أهلية أو خاصة لإنجاح تطبيق العقوبات الاجتماعية؟ وما هي مقترحاتكم؟ مازال الأمر في بداية الطريق، وهناك بوادر نجاح ولله الحمد، وأنا متفائل جدا بنجاح المشروع لكن الأمر يحتاج إلى أن يكون هناك تبنٍ كامل للموضوع من الجهات ذات الاختصاص كوزارة الداخلية وإمارات المناطق ووزارة العدل وغيرها من الجهات، وأيضا يستفاد من الدراسات الغربية والعربية في هذا الجانب. • ما المقترحات من وجهة نظركم التي تحقق الإبداع في مجال عقوبات بدائل السجن؟ أولا: أن يكون هناك تقرير لحالة السجين من مختص اجتماعي أو نفسي وما يناسبه من البدائل ليقوم بالتوصيات المناسبة لاستصلاح السجين. ثانيا: إيجاد العمل ولاسيما لأرباب السوابق، ومن خلال الدراسة وجد أن أكثرهم عاطل والفراغ والفقر مفسدتان أيما مفسدة، ولذا لابد من تفعيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في موضوع البدائل وإيجاد الوظائف لكثير من السجناء، والعمل في الجملة سبب كبير في القضاء على الجريمة. ثالثا: لابد من أخذ الأمر بنوع من المسؤولية والجدية والواقعية والاستعجال والإصلاح، وألا يكون الهدف فقط تخفيف العبء عن السجون. رابعا: دراسة أسباب الوقوع في الجريمة، ومحاولة الإصلاح والوقاية خير من العلاج والرفع أسهل من الدفع. • كيف تنظر إلى تقبل العامة للأحكام البديلة ؟ وجد ولله الحمد تفاعل كبير من السجين وأسرته ووالديه والقائمين على السجين من إدارة السجن والجهات التنفيذية والجمعيات الخيرية والأكاديميين، وهناك اجتماعات مع عدة جهات حكومية وخيرية تتبناها لجنة رعاية السجناء في مكة بهذا الخصوص، وكل ذلك دعم من وزارة الداخلية ووزارة العدل.. بل إن بعض السجناء منذ أن خرج من السجين جاء إلى المحكمة مباشرة وطلب من تلقاء نفسه التوجيه للجهة المطلوب منه التعاون معها، ومنهم من عليه 20 سابقة وجاء متفاعلا مع البدائل.