نتفق بأن كثيرا من إنجازات وسائل الإعلام المرئية المختلفة، وعلى وجه الخصوص تلك الفضائيات (الإخبارية) المتخصصة الرسمية وغير الرسمية تذهب أدراج الرياح بفقدانها المصداقية وضياع ما يتحقق من إنجازات ميدانية بسبب عامل التسرع أو غيره من بواطن النوايا. وكثيرة هي أخطاء هذه الفضائيات وأخطاء مراسليها، الأمر الذي جعلنا نطرح هذا المحور أمام عدد من ذوي الاختصاص والمسؤولين، وبالفعل أجمع أكاديميون وإعلاميون ومنتجون فنيون في أحاديثهم ل«عكاظ» أن الأخطاء التي أوردتها بعض القنوات الإخبارية المتخصصة والإعلامية في تغطية الأحداث في اليمن مثلا؛ سببها التسرع المبني على عنصر الإثارة، وكانت قد تباينت الأراء بين المسؤولين من السلطة والنقابة والإعلاميين اليمنيين في حديثهم ل «عكاظ» حول دور الإعلام اليمني والخارجي في التعامل مع الحدث والأزمة التي تعيشها اليمن منذ أكثر من ثلاثة أشهر مما جعله يترنح بين تهم إثارة الفتنة والانقلابات وانعدام المعلومة التي جعلته يواجه حربا من السلطة. وفي هذا الصدد، اعتبر نائب وزير الإعلام اليمني عبده الجندي القنوات اليمنية الرسمية تعمل على الدفاع عن المؤسسات الحكومية والشرعية الدستورية ومحكومة بثوابت تفتقدها القنوات الخاصة التي تعمل على إثارة النعرات. وقال الجندي في حديث خص به «عكاظ»: «إن القنوات الرسمية اليمنية تخرج أحيانا عن الثوابت وتتحامل على المعارضة، مبينا أن السبب يعود إلى عدم قدرتها على مجارة الإعلام الخاص»، واسترسل قائلا: «أما المستقلة فهي قنوات حزبية وتخطط للانقلاب على الحكم وتعبر عن دعمها الثورة وتهدف إلى إسقاط النظام بشرعية ثورية وليس بشرعية دستورية ولا تحترم الرأي والرأي الآخر والتداول السلمي للسلطة، وتعبر عن رؤية أحزاب اللقاء المشترك». واتهم الجندي قناة سهيل بإثارة النعرات وفبركة الاعتصامات بالاشتراك مع قناة الجزيرة والتضخيم؛ بهدف إثارة الرأي العام، موضحا أن ما يحدث في اليمن من أزمة، 50 في المائة منها حرب إعلامية قائمة على عدم الشعور بالمهنية من قبل القنوات، مبينا أن الوزارة تترفع عن القيام بأي إجراء لإغلاق مكاتب القنوات اليمنية المستقلة التي تثير الفتنة في البلاد حتى لا تدخل معهم في مشاكل. وقال: «الجزيرة لوحدها تمثل مخططا واضحا ومعروفا ولا خلاف فيه، وتريد تغيير كل الأنظمة العربية وليس اليمن المحطة الأخيرة، كما أنها نتاج إسرائيلي، حتى إذا انحازت إلى صف المعارضة فإنها تتميز بأسلوبها الهادف إلى صنع الثورات والاقتتال والحروب ليس في الوقت الراهن ولكنها كانت من المؤيدين للحرب الحوثية». وحول العقوبات التي ترفضها الحكومة على التجاوزات الإعلامية قال الجندي: «في عصر التكنولوجيا والقنوات الإعلامية، والمعلومات، نتغاضى عن التجاوزات التي تحدث هنا، مع أننا قادرون أن نسحب التصاريح عن مراسلي القنوات الذين فعلا يتعمدون تحريف الأحداث والتشويه لسمعة البلاد، إلا أننا نلتقي بهم ونطالبهم بقليل من الحق وليس الحقيقة كلها». وأضاف: «الجزيرة اعتذرت عقب إيقاف مراسليها وإغلاق مكتبها جراء بثها شريطا لأحداث دارت في العراق وبثتها على أنها جرت في اليمن، إضافة إلى عمل المراسلين كجزء من المعتصمين وتشويه الحقائق»، مشيرا إلى أن تلك التجاوزات للمهنة دفع بالوزارة إلى إغلاق المكتب بعد حملة التحريض لليمنيين على الاقتتال والهلاك. وعما إذا كانوا عازمين على مقاضاة تلك القنوات قال: «ليس لدينا أية نية لعمل ذلك؛ سواء أكانت يمنية أم أجنبية، وإجراءاتنا فقط نكتفي بسحب التراخيص وإغلاق المكتب، ومن يعمل بمصداقيه عالية يظل يتمتع بكامل حريته في عمله». وأضاف: «هناك خطأ في عدم وجود تشريعات وقوانين تنظيم الإعلام المرئي في ظل البدائل المتعددة للبث من مناطق مختلفة خارج اليمن». وبين في قوله أن «قناة سهيل تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض الذي يسخر الدين لخدمة السياسة، من خلال تحويل الحق إلى باطل، والباطل إلى الحق، فسهيل اليوم ليس كما كان في السابق وقد بدأت تفقد مصداقيتها». ويقول رجل الإعلام والمستشار الإعلامي السعودي وعضو مجلس الشورى سابقا الدكتور بدر أحمد كريم: كثيرا ما كتبت عن تسرع الفضائيات الإخبارية؛ سواء في الاستوديو في الفترات الإخبارية أو من خلال أخطاء مراسليها في الميدان، فلقد لوحظ كثيرا الخطأ الطبيعي والخطأ المقصود لدى كثير من هذه الفضائيات التي جعلتنا نتابعها بدقة أكثر فقط لمجرد التمييز بين صحة الخبر من عدمه، ولأن أحدنا لم يعد يستوعب التقول أو الخبر الخاطئ تجدنا نعمل كمحللين قبل اعتماد ما نسمع. ويقول المستشار وأمين منظمة إذاعات الدول الإسلامية سابقا د. محمد أحمد صبيحي: الخطأ في هذه الحالات غير مبرر ولا يبرر في الأصل مهما كانت نوعية وشكل الخبر، فالمطلوب من الإعلامي السعي وراء الحقيقة قبل كل شيء، حتى أن الله الحق جل وعلا يقول لنبيه الكريم «عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين» هنا يأمر الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم التأكد قبل أن يأذن لهم، هذا وهو رسول الهدى الذي لاينطق عن الهوى. ويواصل: إن صب الزيت على النار أمر مفزع، وهنا أريد أن أورد مثلا فعندما كنت في لندن وكان زميل لنا يعمل في BBC العربية متضايقا ومتوترا، فسألته عما يضايقه وما هو مشغول فيه، فقال لي إنه يتابع الاتصالات بين عدد من الدول العربية والتواصل مع مسؤولي الإعلام والداخلية فيها للتأكد من معلومة ما، قبل أن يذيع خبرا مهما، فقارنت اليوم بين حاله وبين ما يحدث مع إعلاميي ومذيعي اليوم مقابل الأمس. للأسف الفضائيات تحولت إلى فضائحيات، حيث قدم المسؤولون عنها السبق ونشر الخبر قبل الغير عن تحري الصدق والدقة في الخبر، الأمر الذي يوقعهم في الأخطاء والأخطاء المعيبة للأسف، وهذا ما حدث قبل أيام عندما تناولت إحدى الفضائيات تحاملا على المملكة بالخطأ ورددته إلى أن اتضحت الحقيقة بعد يومين، فعلى الرجل أن يتحرى الصدق حتى يكون صادقا. فبالفعل هناك أخطاء ليست لها حدود في نقل المعلومة عند الفضائيات وهي تجاوزات خطيرة تؤدي إلى نكبات وليس مجرد ضرر فتحري الصدق قبل المسارعة عامل مهم. فللأسف أن بعض محرري الديسك وصالة الأخبار في الفضائيات يحاول أن يرضي صاحب الفضائية أو يتعامل بمقاييس الرضى والسخط حول الدولة المعنية بالخبر، وهناك عامل آخر مهم وهو حال مزاج هذا الصحافي أو ذاك حين صياغة الخبر وهذه عوامل مهمة. أما عن اعتماد الفضائيات ضعف ثقافة الشارع العربي وسهولة تهييجه يقول الصبيحي: عدم حياد الفضائيات بل وقوفها إلى جانب دون آخر كان ملحوظا في مواقفها التعبوية مع الشارع العربي ضد الأنظمة العربية استثمارا لميزة أو عيب فينا نحن العرب والمسلمين- في سرعة الفوران والخروج، وهو ما يحدث عندنا نحن العرب والمسلمين في الشارع الأوروبي والذين يسارعون في النزول إلى الشارع لأي حدث يمسهم مثلما حدث مع مدعي حرق القرآن في أمريكا قبل أشهر الذي أكاد أكون متأكدا من أنها خطوة استفزازية لنا نحن المسلمين والعرب ليستفيد نفسيا من ردة الفعل لمضايقتنا مستقبلا. من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء نجيب غلاب أن انحياز بعض وسائل الإعلام وتحولها إلى ناطق دستوري في ساحات التغيير أفقدها المهنية وأصبحت أداة توجيه. وحمل غلاب الإعلام الداخلي الذي انقسم إلى خطين؛ أحدهما يعمل لصالح المعارضة والساحات والآخر يدعو إلى النظام، مسؤولية التسبب في انقسام المجتمع اليمني إلى طرفين، موضحا أن القنوات والوسائل الإعلامية أصبحت تعمل بطرق بدائية فجة ولم تعد تحظى بقبول لدى الشارع اليمني. إلا أن الصحافي المعارض رشاد الشرعبي يرى في طرحه أن القنوات الرسمية في تغطيتها للأحداث تهدف للإضرار بالثورة والإساءة للشباب. وقال الشرعبي: قناة سهيل التي يملكها حميد الأحمر أحد الداعين للثورة منذ البداية، قد حملت على عاتقها دعم الثورة والرد على الإعلام الرسمي وشائعاتها وتوجيه خطاب حاد ضد النظام، وحظيت بجمهور واسع حاليا وصار اسمها يذكر مع قناة الجزيرة جنبا إلى جنب، رغم أنها ما زالت في الأداء من جانب مهني ليست بالمستوى المطلوب. فيما يرى رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحافيين اليمنيين جمال أنعم، أن القنوات ووسائل الإعلام اليمنية والخارجية تعيش حالة حرب مستمرة منذ زمن طويل مع وزارة الإعلام والأجهزة الأمنية، التي أدت إلى تعرض العديد من المراسلين والإعلاميين للاعتداءات والسجن والترحيل. وقال أنعم: إن شعور النظام بالقلق أدى إلى إغلاق العديد من مكاتب القنوات الخارجية وبدأ يشن حملة عليها واستهداف طواقمها، رغم حضورها في خطابات الدولة. وأضاف: «نحن الصحافيين نجد أنفسنا عالقين في ورطة كبيرة مع النظام الذي هو في الأصل مشكلة كبيرة، فهو يمتلك المعلومة وهو الوحيد القادر على إيصالها، وعدم وجود المعلومات يجعل الناس في دائرة التبعية؛ لأنك لا تستطيع أن تصنع قرارا ما لم توجد معلومة صحيحة، وإن سمح بهامش من الحريات الصحافية يسمح بها لتحسين وجهه، موضحا أن أي وجود للمعلومة يظل في دائرة التمويه والترتيب». وأجمع أكاديميون وإعلاميون ومنتجون فنيون في حديثهم ل«عكاظ» أن الأخطاء التي أوردت عددا من القنوات الإعلامية في تغطية للأحداث في اليمن سببها التسرع المبني على الإثارة. إذ اعتبر الأكاديمي الدكتور عادل شجاع أن تلك الأخطاء التي أوردتها قناة الجزيرة هي مقصودة لإثارة الشعب اليمني ضد مؤسساته الأمنية، لكن ذاكرة اليمنيين أدركت ذلك وفضحتها. وقال شجاع: الفيلم ليست مادة مسربة، لكنه كان رسالة مصنوعة ومتفقا عليها، موضحا أن قناة الجزيرة لم تكن مهنية وتحولت إلى قناة تدعو إلى العنف والكراهية وتزييف الحقائق، وليس في اليمن فحسب، بل إنها كررتها في سورية، وقد تحولت إلى منصات متقدمة تثير الحقد والكراهية وتخرج عن الجانب العملي والمهني لخدمة جهات معينة، مضيفا أن قناة سهيل ليست قناة إعلامية ولا تخلق رسالة إعلامية حقيقية. فيما يرى الصحافي عبدالله الحضرمي أن الأخطاء غير المقصودة التي يقع فيها المراسلون، مصدرها التسرع في إرسال رسائلهم قبل التثبت منها واعتمادهم على التسريبات التي يكون مصدرها أطرافا غير محايدين، كما أنه لم يعد يوجد في اليمن طرف محايد. واعتبر الحضرمي أسباب فقدان قنوات ووسائل إعلامية مصداقيتها لدى المستمع يعود إلى تضارب وتناقض القنوات والوسائل الإعلامية ورواياتها المتعددة حول الأحداث. وقال: «السبب الآخر أيضا قيام طرفي الأزمة بالاستحواذ على مسرح الأحداث وإسدال الستار لفرض التعتيم الذي يمكن المتصارعين من جعل أنفسهم مصدر الرواية الإخبارية». وأشار إلى تجييش وحرب استقطاب للرأي العام تقوم بها جهات عبر عدد من الوسائل الإعلامية التي تخلت عن مهنيتها. واعتبر المخرج الفني صفوة الغشم أن الأخطاء والمغالطة في الجزيرة واردة من قبل؛ فهي شعارها «منبر من لا منبر له» وهي تقف مع الأقليات وتعترف بذلك علنيا. بيد أن الإعلامي صاحب شركة إنتاج إعلامي طه المعمري يخالفهم الرأي ويرى أن قناة الجزيرة تعرضت للخدعة، مبينا بأن القنوات اليمنية تعيش حالة من الانقسام في التغطية الإعلامية. وقال المعمري: إن الجزيرة طبيعتها تعمل على التصعيد، وأية قناة تعتمد على ذلك تفقد مصداقيتها أمام مشاهديها. من جهتها، قالت المنتجة التلفزيونية فكرية الشيخ «التلفيق والمغالطة الفنية التي تقوم بها القنوات واردة لتغطية ما يدور في اليمن». ويرى رئيس تحرير موقع (المؤتمر نت) عبدالملك الفهيدي أن بعض وسائل الإعلام -خصوصا الخارجية- لها دور في تأجيج الأزمة في اليمن من خلال اعتمادها على الأسلوب التضليلي والتحول من نقل الحدث إلى إثارة الحدث نفسه. وقال الفهيدي «اعتذار قناة الجزيرة عن الفيلم الذي بثته عن اليمن، جعل اليمنيين يثقون بأنها تسعى لإثارة الفتنة في أوساط الشعب اليمني، وبعض القنوات تلعب أيضا دورا من خلال اعتمادها على وجهة نظر واحدة، وعدم إعطائها وجهة النظر الأخرى والمساحة الكافية أو الانحياز الكامل للأطراف الأخرى، بالإضافة إلى تصوير ما يجري في اليمن بأنه ثورة رغم أنها أزمة سياسية. وأضاف: «الصحفي بإمكانه أن يصل إلى المعلومة بأية وسيلة، فالسلطة تقدم المعلومة حينما يطلب منها ذلك، وبعض هذه الوسائل تعتمد على الطرف الآخر بشكل مختلف، كما أن تحرير الأخبار في حالة توفير السلطة للأخبار».