لم تكن المحطات الإخبارية العربية في العام (2011) وسيلة لنقل الأحداث الدراماتيكية في الشارع العربي إلى المشاهد وحسب وإنما كانت جزءاً من هذه الأحداث وعاملاً حاسماً وهاماً في تحولات المشهد السياسي العربي العاصف. لقد كان التسابق والمبارزة بين القنوات الإخبارية العربية ليس في سرعة نقل الحدث، بل في كيفية عرض الحدث من قناة إخبارية لأخرى؛ وذلك من خلال تباين الخطاب الإخباري بين القنوات، كل حسب أجندته الإعلامية وسياسته الاتصالية وربما خلفيته السياسية الداعمة، وذلك بطبيعة الحال، دون الاكتراث بالشرط المهني؛ الأمر الذي أوقع المتلقي في حيرة إزاء ما يحدث في المشهد الإخباري العربي. انخفاض المصداقية الدكتور محمد المعيذر أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود، يطل على المشهد الإخباري للعام (2011)، مقيّماً ومحللاً من وجهة نظر أكاديمية صرفة، موضحاً في بداية حديثه إلى أن القنوات الإخبارية العربية عددها محدود وكل واحدٍ يعرف هذه القنوات وهي لا تحتاج إلى تسميتها بالاسم. مشيرا إلى أن هذه القنوات الإخبارية وطوال سنوات، بنت لها مستوى عالياً من المهنية والاحترافية وقد خلقت (مصداقية) بين الناس وأصبح لديها جمهورٌ يصغي ويتابع خطابها الإعلامي. مضيفاً: "ولكن يبدو أن هذه المصداقية بدأت تنخفض بعض الشيء؛ نعم ثمة مستوى من "الاحترافية" في إنتاج الأخبار بسرعة، إلا أن مسألة المصداقية بدت في هبوط وانخفاض، ليس فقط في الإعلام وإنما أيضا بين الأكاديميين والمثقفين". تويتر وفيسبوك.. لا يغنيان عن المحطات الإخبارية استغلال المصداقية ويرى الدكتور المعيذر، أن الإعلام العربي أصبح يميل إلى الدعاية أكثر من المهنية والمصداقية في نقل الخبر بكل تجرد. مضيفاً أن الموضوعية في نقل الحدث، خبرياً، "خُدش" مع تغطية أحداث الربيع العربي، فهذه القنوات الإخبارية العربية، عملت سنوات على بناء مصداقيتها المهنية والإعلامية أمام جمهور الرأي العام العربي وحتى العالمي، إلى درجة أصبحت قنوات كال""CNN تنقل عنها. ويضيف الدكتور المعيذر: وعندما شكلت هذه القنوات المصداقية، للأسف مع أحداث "الربيع العربي" يبدو أنها بدأت تستغل هذه المصداقية والمهنية التي عرفت بها، إذ أن مستوى "الدعاية" على ما يبدو أصبح عالياً مع تغطيات أحداث الربيع العربي، إلى درجة أن سمعتها الإعلامية بدأت تخدش وكذلك المهنية، عند جمهور الرأي العام. تويتر.. منافساً! وحول ظاهرة تكرار الأخطاء خلال تغطيات الإخباريات العربية في (2011) وغياب الاعتذار للمشاهد عن هذه الأخطاء، يعلق أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود، قائلاً: "هذا واحدٌ من الأسباب التي جعلت المشاهد العربي يبدأ في التشكيك مرة تلو الأخرى بصدقية هذه المحطات الإخبارية وبدأت تصيبه الريبة ولم يعد مثلما سبق، يأخذ بأي شيء من هذه القنوات وإنما بدأ يبحث ويأخذ الأخبار من شبكات التواصل الاجتماعي، لاجئاً في البحث إلى مصادر أخرى للأخبار". مضيفاً: "الآن بدأ الرأي العام ينوع المصادر الإخبارية بعد أن انخدشت سمعة هذه الإخباريات العربية وبعد أن دخل الجمهور في مقارنة بين هذه المصادر الجديدة ومدى مصداقية القنوات الإخبارية في نهاية المطاف". المشاهد لا ينسى وينبه الدكتور المعيذر إلى أن المشاهد لا ينسى أبداً ولا يغفر سريعاً؛ فذاكرة الجمهور قوية جداً حتى عندما يأتي خبر ويتبين أنه خطأ وإن لم يكذب، إلا أن ذاكرة الجمهور تبقى حاضرة في الرصد والمقارنة. أما عن رأيه في أداء القنوات الإخبارية الناطقة باللغة العربية، في (2011) وتحولها في بعض الأحيان إلى منافس أو بديل لبعض الإخباريات العربية، يعلق الدكتور المعيذر مجيباً: "هذه المحطات أصبحت من المصادر التي بدأ يتجه لها الجمهور وبدأ يقارن بينها وبين الإخباريات العربية؛ مشدداً على أن القناة الإخبارية كوسيلة يفترض منها أن لا تتبنى موقفاً وإنما يتوجب عليها أن تعرض الأخبار دون تحيز وللجمهور الحكم. ويؤكد الدكتور أن مشكلة اهتزاز الموضوعية في القنوات الإخبارية العربية، يعد سبباً فاعلاً ورئيساً في لجوء الجمهور العربي إلى هذا الإعلام الناطق بالعربية (كروسيا اليوم وفرانس 24 وغيرها)؛ إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي وما توفره من معلومات. منبهاً إلى أن مثل هذه المحطات لا يمكن التعويل عليها بشكل مطلق بالنسبة للمشاهد العربي، إذ أن مستوى المصداقية لديها ليس عالياً جداً على اعتبار أن مصدرها دول أجنبية..الخ، حتى لو اتسمت بالاحترافية في نقل الأخبار. تغطيات منحازة وحول تقييمه للتغطيات الإخباريات الفضائية العربية، المباشرة لأحداث الشارع العربي في العام (2011)، يجيب الدكتور محمد المعيذر، معلقاً: "في القواعد المهنية، يفترض بالمذيع (القائم بالاتصال) ألا يكون متحيزاً لطرف دون آخر وإنما عليه نقل الصورة كاملة للمشاهد والمشاهد لديه العقل والقدرة على التمييز ومحاكمة الأحداث والقضايا بين ما هو باطل وما هو حق". ويشدد الدكتور المعيذر على حق المشاهد المتلقي في الحصول على المعلومة الصحيحة دون أي تأثير، مؤكداً أن هذا حق من الحقوق التي يجب أن يعمل به الإعلام بشكل عام. مشيراً أن من حق "حارس البوابة" في المحطة أن يجري تحريراً على الخبر ولكن دون أن يؤثر على الموضوعية والمصداقية للخبر؛ ولكن في بعض الأحيان، تجد أن الرقابة على الأخبار تحدث، عندما تتجه القناة إلى خط سياسي معين وهذا لا يفترض أن تقوم به قناة مهنية وتتحدث عن الاستقلالية في نقل الأحداث؛ لذا يفترض أن تنأى بنفسها عن اتخاذ مواقف سياسية في نقل الأخبار مع أي طرف من الأطراف، وإنما أن تتحلى بالصدق والموضوعية لدى المشاهد. الإخباريات العربية.. والفيسبوك ولكن هل من الممكن أن يكون "تويتر" و"فيسبوك" عزاء الباحثين عن المعلومة الصحيحة، يجيب الدكتور المعيذر: "تويتر وفيسبوك وسائل اتصال اجتماعي ولكن حتى الآن لا أعتقد أنها تغني عن المحطات الإخبارية، بسبب وجود الحرفية والمهنية العالية في المؤسسات الإخبارية، ولكن "تويتر وفيسبوك" تعد مصدراً جديداً من مصادر الأخبار. مضيفاً: ربما السنوات القادمة تكشف شيئاً جديداً فيما يخص مواقع التواصل الاجتماعية الجديدة والتي هي آخذة في ازدياد في عددها ودورها في التأثير وخاصة في الجيل الناشئ والشباب الذين أعمارهم بين (15-26). ويشير الدكتور المعيذر إلى أن دور هذه المواقع سيتعاظم ولكن لن تستطيع أن تسحب البساط من تحت القنوات الإخبارية لأنها تعد مصدراً إخبارياً بالدرجة الأولى.