المشهد العام لبعض مناطق العالم العربي غير زاهٍ على الإطلاق، حيث تعيش الغالبية الساحقة من بلدانه ومجتمعاته أوضاعا خطيرة ومقلقة على الصعد والمستويات كافة، التي تنعكس في تصاعد أعمال العنف والإرهاب التي تقف وراءها قوى متطرفة تتستر وتتمترس شكليا بآيديولوجيات (دينية) أو (مذهبية) مدمرة تستبطن أهدافا ومرامي سياسية في المقام الأول، وتمارس أعمالها الإجرامية البشعة والموجهة في الغالب ضد المدنيين العزل من المكونات الاجتماعية على اختلاف منحدراتها الدينية والمذهبية والفكرية والعرقية. كما تتصاعد المواجهات والتحركات الشعبية مع السلطات الحاكمة، خصوصا من قبل الفئات والمجموعات المهمشة والمحرومة التي يطحنها الفقر والجوع والبطالة والأمية. بعض البلدان والمجتمعات العربية تمر بمرحلة دقيقة وحاسمة، وتواجه تحديات مصيرية هي الأشد في تاريخها الحديث، فالأزمة بنيوية ومركبة وشاملة وممتدة في أبعادها الوطنية والقومية وفي تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي تنعكس في احتدام التناقضات والصراعات والمواجهات الأفقية (بين مكونات النظام العربي) والعمودية (داخل كل مجتمع عربي على حدة). فعلى صعيد المسألة المركزية المشتركة (قضايا الصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية) نجد النظام العربي بمجمله عاجزا ومتخاذلا ومنقسما على نفسه ويفتقد إلى الحد الأدنى الضروري للتضامن والتماسك، مما سهل ويسهل تمرير المشروع الصهيوني في الاستحواذ على الأرض ومصادرة الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة، الذي يلقى كل الدعم والمساندة غير المحدودة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تسعى وفقا لاستراتيجية بعيدة المدى لإحكام قبضتها وسيطرتها بصورة نهائية على كامل مقدرات وثروات المنطقة العربية مستندة في ذلك إلى هيمنتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، خصوصا بعد استفرادها بقيادة العالم إثر انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي و(المنظومة الاشتراكية) الذي تجلى بصورة واضحة أثناء وبعد أزمة الخليج الثانية وقيادتها التحالف الدولي لتحرير دولة الكويت، وتعمق هذا الحضور مع غزو واحتلال العراق في نيسان 2003. ودون إغفال أو تجاهل دور العوامل الخارجية أو ما يسمى ب(نظرية المؤامرة) في إيصال العرب إلى مأزقهم التاريخي وأفقهم المسدود، حيث استطاعت الولاياتالمتحدة والغرب عموما تحجيم وتطويع واحتواء النظام العربي الرسمي. غير أن جذر الأزمة في الوضع العربي العام يكمن في السياسات والمشاريع الفاشلة التي اعتمدتها الدولة القطرية (الوطنية) العربية التي تشكلت إثر معارك الاستقلال والتحرر الوطني على اختلاف مرجعيتها السياسية والآيديولوجية (ليبرالية، قومية، اشتراكية، وإسلامية). مع أنه حدثت تغيرات مهمة في بنية المجتمع العربي خلال القرن الماضي على صعيد تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي وبناء الدولة (الوطنية) وتنفيذ بعض الخطط والإنجازات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك خطط الإصلاح الزراعي، وتأميم الشركات الأجنبية، وإنشاء الصناعة الوطنية، وحقوق المرأة، ومكافحة الأمية، والعمل على بلورة فكرة الوحدة العربية ومفهوم العدالة الاجتماعية. غير أنه سرعان ما وصل مشروع الانبعاث الوطني والقومي الذي رفعته الدولة العربية (الحديثة) إلى طريق مسدود إثر تعثر وفشل التنمية الاقتصادية المستقلة وتراجع فكرة العدالة الاجتماعية وبروز وتبلور قوى اجتماعية بيروقراطية وطفيلية التي لم تتردد في ممارسة الطرق والأساليب غير المشروعة كافة في سبيل إحكام هيمنتها وقبضتها واحتكارها لمكامن الثروة، وتحت دعاوى الخصوصية، وإنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وتم فرض شعارات مثل من تحزب خان، والحزب القائد، والمستبد العادل. وأصبحت مسؤولية تنظيم الجماهير منوطة بأجهزتها الفوقية فقط، إلى جانب التدهور العام والشامل في الوضع الاقتصادي حيث اتسعت حدة الفوارق الاجتماعية والطبقية وتدهورت الأوضاع المعاشة وازدادت معدلات البطالة والفقر والجوع والأمية لدى الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية. وقد مثلت هزيمة يونيو ذروة الفشل للمشروع القومي. وفي حين استفاد العرب جزئيا من الارتفاع الكبير في أسعار البترول إثر حرب أكتوبر (73) وتحققت بعض الإنجازات (خصوصا في الدول العربية المحافظة) المهمة على المستوى العربي العام، غير أنه سرعان ما تبددت معظم تلك الإنجازات. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة