خطوة رائعة تلك التي بادر إليها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني فدشن سلسلة اللقاءات التحاورية بين قادة الرأي وأصحاب الفكر وأرباب القلم من شتى المناطق ومن مختلف الأطياف حول دور الانتماء القبلي والمناطقي والاتجاهات الفكرية والعقائدية في الحياة الاجتماعية ومدى تعارض أو اتفاق تلك المفاهيم مع مفهوم المواطنة وواجب الولاء للوطن، فهل من الممكن أن نجعل من اختلافنا رحمة ومن تعدد أطيافنا مصدر ثراء لمجتمعنا ولوطننا وأن نكون متنوعي المواهب والمشارب ضمن الثقافة الوطنية الشاملة التي تجمعنا وتشكل الصورة العامة لشعب المملكة، بلادنا شاسعة مترامية الأطراف تضم الكثير من المناطق التي لعب التاريخ دورا في تنوع ثقافاتها وأثرت الجغرافيا في طبائع أهلها وفي صياغة تقاليدها الضاربة في القدم، لكل منطقة تاريخها ولكل قبيلة مفاخرها وأيامها التي تغنى بها شعراؤها ومجدها مؤرخوها كما أن لبعضنا مذاهب وتوجهات فكرية متنوعة تبعا لتفاوت مدارك الناس وتعدد مشاربهم فالاختلاف جزء من الطبيعة البشرية، ومن يمعن النظر يجد الأمم الواعية والدول الحديثة تحرص على إحياء ونشر ثقافاتها المحلية في إطار الثقافة الوطنية الشاملة وبما يعزز أسس التسامح والتعايش فقد توصلت تجارب وعلوم الحضارة البشرية إلى ضرورة إرساء مفاهيم التسامح وقبول الآخر والانفتاح على مكونات الثقافات المحلية للتوصل إلى أرقى صيغ العيش المشترك التي تضمن للجميع كرامتهم وتحفظ حقوقهم وتحقق البيئة المناسبة للتفاعل الاجتماعي الإيجابي ولظهور وتنمية الكفاءات الوطنية، لا يمكن لعاقل أن يتصور في هذا العصر مع ما يزخر به من تنوع التيارات والتوجهات شعبا يعيش بثقافة واحدة وفكر واحد، فالاختلاف ظاهرة صحية تدل على حيوية المجتمع وتطوره وغيابها سيذهب بنا حتما إلى الانغلاق والجمود ما سيؤدي بدوره إلى خلق بيئة مناسبة للتطرف بمفهومه العام وإلى التشنج في مخاطبة الآخر والتعاطي معه وهذا ما ينبغي محاربته، من هذا المنطلق يتوجب على النخب الفكرية الفاعلة والمتنورة في المجتمع أن تضطلع بدورها في التصدي لدعوات الاصطفاف القبلي والمناطقي والمذهبي الضيق وأن تبث وتشجع روح المواطنة الشاملة التي تنضوي تحت مظلتها الانتماءات المحلية وأن تواجه ما يمكن أن نسميه التطرف أو التحزب للقبيلة أو للمنطقة أو للمذهب على حساب الوطن، ولن تحدث تلك الانتماءات ضررا ما لم تشط عن حدود المنطق ليتحول الانتماء الطبيعي إلى تطرف يؤذي مشاعر الآخرين أو يدفعهم إلى تطرف مضاد، وقد لعبت بعض القنوات الفضائية وبعض الأحداث الإقليمية دورا في إذكاء نعرات التعصب القبلي والمناطقي وحتى المذهبي فخرجت بالأمر عن حدود المقبول، ويحق لنا في المملكة أن نفخر بما وهبنا الله من الألفة والتلاحم ويجب علينا أن نحافظ على هذا التجانس وأن نقف سدا منيعا دون ما قد يشوش على روح مواطنتنا، فالاختلاف لا يعني الخلاف بالضرورة ولا يجب أن يؤدي إلى الكراهية أو الإقصاء.