تعددت الأسماء والسلعة واحدة، لكن اسم سوق الحرامية رسخ كما رسخت في الراحتين الأصابع، إذ اتخذه الباعة والشارون على حد سواء سوقا مفتوحة للرخيص من البضائع، وأصبحت الجهة التي تتجه صوبها صدقات المحسنين من ذوي الموتي والتي تجد من يستلمها ويبيعها هناك. الواجهات الأمامية للشارع توحي بأن ثمة أفريقيات يفترشن الطريق، في مظهر ربما يكون عاديا، وبمجرد التوغل بين الأزقة الضيقة تروج بضائع أبطالها أفارقة يجمعون ملابس المحسنين والموتى التي تقدم إليهم لبيعها في السوق الشهيرة. يقول بائع امتهن الحرفة ل13 عاما عن المكان «سوق دوق، هي كلمة تعني بالنيجيرية عمارة طويلة، وهذه السوق بعكس بقية أسواق مكة تتراجع وتيرتها في موسم الحج كون الباعة فيها يتجهون إلى العمل في المشاعر المقدسة، لكنهم يعاودون مزاولة نشاطهم بعد الموسم.ويشير إلى أن أفريقيات يتجولن في أحياء مكة لجمع الملابس على أنها ملابس توزع من ربات البيوت لتلبس، لكنها تتجه إلى السوق لبيعها خاصة أنها لم تكلفهن شيئا، وكثيرا ما تكون من بين القطع عباءات وأغطية وثياب وملابس نسائية وشالات من ماركات عالمية. وعلى خارطة الأسواق المشبوهة في مكة، تعد سوق الحرامية واحدة من أهم مظلات التقاء المسروقات من أجهزة هاتف نقال وأجهزة حاسب آلي، حيث تباع بأثمان بخسة. مجرد التوغل داخل السوق التي تتفرع إلى أزقة ضيقة تفيض بالفوضى والزحام، حيث ينتشر الباعة والبائعات في سوق لا تحتاج إلى محال تجارية بديكورات فاخرة، حيث تعلق الملابس المستخدمة المعروضة للبيع على جدران الأزقة، وعلى طول الشارع في منتصف طرق المرور، وأمام عمائر سكنية أضحت محاصرة. أسعار الملابس أكثر من أن تكون زهيدة، لحد أننا وجدنا فساتين زفاف نسائية ب200 ريال، وأثوابا رجالية ب30 ريالا، وأشمغة بعشرة ريالات. تفحص الوجوه المترددة على السوق يؤكد أن نسبة كبيرة منهم من العمالة والخادمات، والمتخلفين والمتخلفات بعد موسم الحج، والمقيمين الأفارقة والآسيويين من العائلات، لكن السوق لم تخل من وجود مواطنين عرفنا أنهم من ذوي الدخل الضعيف، بل إننا وجدنا ستينيا يعتمد على الضمان الاجتماعي يتردد على السوق لانتقاء الملابس الأكثر نظافة. وحذرت مصادر طبية متخصصة في الأمراض الجلدية من خطورة توسع ظاهرة شراء الملابس المستعملة، لما ينتج عنها من انتقال أمراض جلدية مثل الطفح الجلدي والجرب والحساسية.وأوضح رئيس اللجنة الوطنية لرعاية أسر السجناء (تراحم) المتخصص في العمل الخيري الشيخ يحيى الكناني أنه لا حل من الخروج من هذا المأزق إلا بضمان وصول ملابس المحسنين إلى مستحقيها، من خلال تنفيذ مشروع مركز استقبال هذه الملابس عن طريق تخصيص هاتف خاص لاستقبال البلاغات، وتوفير عمالة لغسيل وتعقيم وكوي ما يرد من ملابس، ووضعها داخل أكياس شفافة تبرز مقاسها ولونها داخل معرض ثابت تخصص فيه غرفة للقياس، وتصرف للجهات المستفيدة وفق قاعدة بيانات معدة لهذا الغرض.