سوق يابلاش.. شارع الملابس المستعملة.. سوق دوق.. كل ما سبق هو أسماء لمكان لبيع ملابس متبرع بها من المحسنين وأهالي ذوي الموتى في مكةالمكرمة، ليتلقفها الأفارقة، محولينها إلى بضاعة تجارية في سوق رائجة كل يوم جمعة، إذ يصبح السوق منذ الساعات الأولى من الصباح مقصداً للمتاجرين بملابس الصدقات التي عادة ما يحملونها من أحياء مكةالمكرمة، وخاصة الراقية، حيث يتقاسم الأفارقة من الجنسين فضاءات المواقع بما فيه من أزقة تنوء بممارسات مقززة لا تليق بمكةالمكرمة. قارعة الشارع الرئيس على طريق أم القرى المؤدي للحرم المكي بأقل من 2كم توحي بأن هناك ثمة أفريقيات يفترشن الطريق كمظهر ربما يكون عادياً في أشهر شارع أفريقي بمكة، لكن مجرد التوغل بين الأزقة الضيقة تكتشف أنك أمام سوق رائجة أبطالها أفارقة يجمعون ملابس المحسنين والموتى التي تقدم إليهم لبيعها في السوق الشهير. تحايل مخالف "حسين هوساوي" واحد ممن اكتووا بنار هذا النوع من التجارة قال بمجرد اقتراب "الرياض" منه: "أي نفوذ تستخدمه الجالية الأفريقية المخالفة لإقامة هذه السوق التي أضحت ملتقى للعمالة والجاليات لشراء الرخيص". في حين ألمح "صالح بكر" إلى أن رواد السوق يتحايلون على فرق أمانة مكة باستغلال يوم وساعات الإجازة حيث يستقبل السوق المتسوقين من صباح الجمعة حتى صلاة العشاء وهي ساعات عادة ما يخلد فيها موظفو الأمانة للنوم والراحة -على حد قوله-. مسمى نيجيري وكشف أحد الباعة على قارعة الطريق معلومات عن السوق من خلال تجربته التي قال إنها امتدت لأكثر من 10 سنوات، وبعد التحايل عليه بأن المحرر "تاجر جملة"، تحدث بطمأنينة: "يسمى السوق بين الجاليتين النيجيرية والتشادية بسوق دوق، وهي كلمة تعني باللغة النيجيرية البناية الطويلة، إشارة إلى أن السوق يقع خلف عمارة عملاقة"، مبيناً أن هذا السوق بعكس بقية أسواق مكة يغيب في الحج ويبرز طوال الموسم لاشتغال أهل السوق بأعمال الحج. بضائع مستعملة لا تعد ولا تحصى تجارة الصدقة تجارة الملابس المستعملة كشفت أن ثمة حلقات متسلسلة لبروز هذا المشهد المؤلم، وهي أن التجارة تبدأ من قيام زوجات وبنات الأفارقة بالتجول في الأحياء وخاصة الراقية؛ للبحث عن ملابس تستجدى من الأسر بحجة ارتدائها، وبعد أن يتم جمع أكبر عدد، يتحولن إلى بائعات لتلك الملابس في سوق "يا بلاش"، لا سيما وأنها لم تكلفهن ثمناً بل إنها "صدقة"، وكثيراً ما تكون من بين الملبوسات عباءات وأغطية وثياب وملابس نسائية وشالات من ماركات عالمية. كما يعد السوق المشبوه سوقاً للصوص، ونقطة لالتقاء المسروقات سواء من أجهزة هاتف جوال، أو أجهزة الحاسب الآلي المحمول، وتباع بأبخس الأثمان، حيث أسعار الملابس أدنى من أن تكون زهيدة حيث تبلغ أسعار فساتين الزفاف النسائية ما بين 200 إلى 300 ريال، والأثواب الرجالية تباع ب30 ريالا، فيما لا يتجاوز الشماغ 10 ريالات. حتى التلفزيونات موجودة للبيع وبمجرد التوغل داخل السوق الذي تتفرع من أزقة ضيقة تفيض بالفوضى والزحام، ينتشر الباعة والبائعات في سوق لا يحتاج إلى محلات تجارية بديكورات فاخرة حيث تعلق الملابس المستخدمة المعروضة للبيع على جدران الأزقة وعلى طول الشارع في منتصف طرق المرور وأمام عمائر سكنية أضحت محاصرة بأولئك الباعة، وبتتبع السوق، اتضح أن العمالة المتخلفة وبقايا الحجاج الأفريقيين والآسيويين يسيطرون على السوق بعوائلهم، مع وجود عدد قليل من السعوديين ذوي الدخل الضعيف يأتون لانتقاء أكثر الملابس نظافةً لشرائها. مواطن يعرض مياه زمزم على الطريق السريعة خارج حدود مكةالمكرمة الحل لدى المتبرعين واعتبر "محمد قايد" -مدير جمعية البر بمكةالمكرمة- استمرار هذا السوق نتاج طبيعي لتساهل المتبرعين، وعدم اكتراثهم بأهمية تحويل الصدقات للمستحقين، مبيناً أن المتبرعين من السعوديين والمقيمين هم الخط الأول لطمس هذه الصورة المتجسدة في بيع ملابس المحسنين والمتبرعين. مشروع استقبال وذكر "يحيى الكناني" -رئيس اللجنة الوطنية لرعاية أسر السجناء تراحم والمتخصص في العمل الخيري- أنه لا يوجد حل للخروج من هذا المأزق في ضمان وصول ملابس المحسنين إلى مستحقيها، إلاّ من خلال تنفيذ مشروع مركز استقبال هذه الملابس عن طريق تخصيص هاتف خاص لاستقبال البلاغات، وتوفير عمالة لغسيل وتعقيم وكوي ما يرد من ملابس، ووضعها داخل أكياس شفافة تبرز مقاسها ولونها داخل معرض ثابت تخصص فيه غرفة للقياس، وتصرف للجهات المستفيدة وفق قاعدة بيانات تتأكد من مرور الحالات على البحث الاجتماعي بطريقة حاسوبية، مشيراً إلى أن هناك تجربة نفذت قبل 3 سنوات داخل جهة خيرية تمخض عنها صرف 28792 قطعة ملابس، واستفادت منها 1500 أسرة بمكةالمكرمة، وتوقف 20 فستاناً للزفاف عالية الجودة على زوجات محتاجات تزوجن بشباب فقراء. ..وآخر ينتظر الزبائن بالقرب من محطة وقود خطر طبي وحذرت بحوث طبية متخصصة في الأمراض الجلدية من خطورة توسع ظاهرة شراء الملابس المستعملة لما ينتج عنها من انتقال أمراض جلدية وسوء تركز الميكروبات مثل الطفح الجلدي والجرب والحساسية وليس من المجدي تعقيمها لتلافي ذلك. بيع زمزم العشوائي البحث عن لقمة العيش حوّل البعض إلى باعة عشوائيين على الطرق السريعة غير مكترثين بخطر المركبات؛ متحملين أشعة الشمس الحارقة وهبوب رياح الأتربة والغبار. هم باعة زمزم على الطرق السريعة -الذين تنتشر مركباتهم على مخارج مكةالمكرمة الخمسة المعروفة وداخل محطات الوقود الكبرى- تجنيب راغبي شرب الماء المبارك زحام محطة التوزيع؛ في حين أنهم في عيون أخرى يعرضون أنفسهم للخطر، حيث بالإمكان ممارسة العمل، ولكن بطريقة لا تخدش الصورة الناصعة للمملكة في أعين القادمين للبيت العتيق من الخارج. أخصائيون اجتماعيون اعتبروا بروز الظاهرة على شوارع رئيسة تعد واجهات غير حضارية لمرور قوافل قاصدي بيت الله الحرام، وهو ما يتطلب تدخل الجهات الحكومية لمعالجتها من جذورها. عبد الله الروقي وقال «محمد قايد غلاب» -مدير عام جمعية البر بمكةالمكرمة- إن الحل ليس في منع الباعة ولكن في توفير البديل المناسب، مشيراً إلى أن دخول الجهات الحكومية والخيرية في شراكة تشجيع للأسر المنتجة هو أحد الخيارات المهمة للحل. وأضاف: أعتقد أننا بحاجة لمثل هذه المشروعات النوعية لدراستها أولاً، ووضع الأطر التي تساعد على نجاحها، وتقديم البدائل للمعوقات التي ربما تعترض التنفيذ، مع أهمية الدراسة والمتابعة أثناء التنفيذ للتأكد من نجاح المشروع. وأشار إلى أنه يمكن مثلاً للجهات الخيرية أن تزود مكتب الضمان بمكةالمكرمة بقواعد المعلومات، التي تحتفظ بها الجمعيات الخيرية للأسر الفقيرة الحاضنة للعاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العلمية المتدنية. وكشفت جولة ميدانية أن هناك أكثر من 60 موقعاً يمكن الإفادة منها لبناء نقاط توزيع لبيع عبوات زمزم تتناثر حول الجوامع والمساجد الكبرى ومراكز التموين، وحلقة الخضار والفواكه ومحطات الوقود الكبرى على الطرق السريعة. جولتنا المسائية على أكثر من ثمانية مواقع كشفت لنا أن 90% من العاملين في بيع عبوات زمزم على الطريق السريعة هم من السعوديين، وأعمارهم تتراوح ما بين 20 إلى 35 عاماً، ونسبة كبيرة منهم من حملة الشهادة المتوسطة والابتدائية؛ في حين أن وتيرة الإقبال ترتفع على العمل في هذا المجال خلال أيام شهر رمضان المبارك وموسم الحج وإجازة نهاية الأسبوع. وكشفت الجولة أن العائدات اليومية تتراوح ما بين 90 إلى 140 ريالا يومياً في حين أن 95 % من المزاولين يعتمدون على العمل على سياراتهم، و5% يعتمدون على سيارة قريب أو على العرض الخلوي. وأبانت الجولة أن 70% من المزاولين يفضلون العمل لرفع الدخل الشهري، حيث انهم مزاولون لأعمال أخرى متواضعة برواتب متدنية، كما أن 90% يفضلون تحويل الممارسة من السيارات إلى الكبائن الخاصة المجهزة. وأوضح الأستاذ «عبد الله الروقي» -مدير الضمان الاجتماعي في العاصمة المقدسة- أن المكتب بادر بإجراء دراسة مسحية اجتماعية لمواقع مزاولة بيع عبوات زمزم على الطرق السريعة بواسطة ثلاثة باحثين اجتماعين، حيث اعتمدت على العمل الميداني وجمع المعلومات الأولية لوضع الأطر العامة للمشروع، مشيراً إلى أن وكالة الضمان في وزارة الشؤون الاجتماعية ترحب بالمشروعات التي تعزز جانب الإنتاج لدى المحتاجين، مضيفاً:»إننا ننتظر دور أمانة مكةالمكرمة للتنسيق في تحويل المواقع إلى كبائن مكيفة ومجهزة بعد اختيار مواقعها».