يقال إنك فقدت شيئاً ما، أو سرق منك شيء يوماً ما وأنت في مكةالمكرمة، جئت لغرض زيارة أو عمرة أو حج، فإن أول ما يجب أن تفكر فيه أو يسترعي انتباهك، لاسترداد ما سلب منك، هو الاتجاه فوراً إلى أحد أشهر الأزقة ضيقاً في وسط المدينة المقدسة، وأكبرها جمعاً لقوافل البيع والشراء التي تبتاع في العراء أو على قارعة الطريق، أو ما يعرف بسوق «الحرامية»، حيث يعرض كل ما يسرق من بضائع زهيدة كانت أو ثمينة. ومن الغريب، أن السوق وعلى صغر مساحتها، إلا أنها تضم شرائح مختلفة من الأجناس والأطباق كافة، عربية وأجنبية، تضج بهم جنبات المكان، وتحتدم بهم الأمكنة، خصوصاً مع ساعات النهار الأخيرة، والأغرب من كل ذلك أن المشاهدات التي سجلتها جولة «الحياة» على دهاليز السوق أن كل شيء يباع داخلها من دون أي تفاصيل أو ضوابط، حتى «أوقيات» الذهب الخالص التي تصل أسعارها إلى آلاف الريالات تجدها تباع وتشترى داخلها من أشخاص عندما تنظر إليهم لن يخطر ببالك أبداً أنهم باعة حلي أو مجوهرات. بائع من الجنسية النيجيرية، بدأ يفترش أجهزة للجوالات المختلفة، اقتربت منه «الحياة» وسألته عن أسعار ما يبيعه، فكان متقناً للغة العربية بطلاقة، أجاب عن أسعاره الخاصة، وقال: «إنها مثل أسعار السوق، لا تختلف عنها أبداً»، وأشار بيده إلى البعيد إذ يمتد طابور طويل من الأفريقيات يفترشن الطريق، ممن يبعن كل شيء، وأضاف: «إنهن يبعن كل شيء، حتى ملابس الموتى والمحسنين، اذهبوا إليهن، واسألوهن هل يبعن أم لا؟». انتقلت «الحياة» إلى زاوية أخرى من السوق، فوجدت أن السوق لا تلتزم ببضائع معينة أو ترتيب واضح، أو مواقع تتسم بالانسيابية، أو حتى مواقيت معينة، إذ تجد أحياناً أن السوق تبدأ من ساعات الصباح الأولى وتنتهي عند أول الظهيرة، بينما في أحيان أخرى تفاجأ ببدئها منتصف النهار، انتهاء عند حلول الظلام، في تراجيديا غريبة، ليس لها تفسير معين أو واضح، وبعيداً عن أعين الرقابة بمختلف أنواعها. وأشار سليمان وادو (أحد المتجولين في السوق) إلى أن أفريقيات يجُبنَ أحياء مكة لجمع الملابس على أنها توزع على فقراء للبسها، لكنها تتجه إلى السوق لبيعها خصوصاً أنها لم تكلفهن شيئاً، وأردف: «كثيراً ما تكون من بين القطع عباءات وأغطية وثياب وملابس نسائية وشالات من ماركات عالمية قيمة»، لافتاً إلى أن من بين خريطة الأسواق المشبوهة في مكة، تعد سوق «الحرامية» واحداً من أهم أماكن التقاء المسروقات من أجهزة هاتف نقال وأجهزة حاسب آلي، فضلاً عن أنها تباع بأثمان «بخسة». ومن طريق تفحص الوجوه المترددة على السوق، يتضح أن منهم من العمالة والخادمات، والمتخلفين والمتخلفات بعد مواسم الحج والعمرة، والمقيمين الأفارقة والآسيويين من العائلات، لكن السوق لم تخل من وجود مواطنين عرفت «الحياة» أنهم من ذوي الدخل الضعيف، بل وجدت ستينياً يعتمد على الضمان الاجتماعي يتردد على السوق لانتقاء الملابس الأكثر نظافة. بدوره، أكد المراقب الميداني في بلدية العاصمة المقدسة محمد الأحمري، أن أجهزة البلدية تكثف من جولاتها المفاجئة على هذه السوق وغيرها من الأسواق المخالفة، أو التجمعات التي تشهد عروضاً للبيع في شكل غير نظامي، موضحاً أن غالبية الباعة فيها يحملون أمتعتهم وبضائعهم على ظهورهم ما يسهل هربهم عند أي جولة غير معلنة. وقال: «هناك تعليمات صارمة بضبط أي بائع مخالف، ومصادرة بضاعته، كما أننا نعمل على وضع سيارات مراقبة دورية على موقع السوق، المعروفة بسوق الحرامية»، مشيراً إلى أن ما يعزز وجود عمالة مخالفة أو بضائع مسروقة داخل السوق قربها الشديد من الأحياء العشوائية التي تعتبر ملاصقة لها جداً.