عندما أرادت وزارة المعارف في ذلك الزمن البعيد أن توجد مدرسين سعوديين افتتحت معاهد المعلمين الابتدائية التي يدرس فيها الطالب ثلاث سنوات بعد الابتدائية وبعد تخرجه يعين مدرسا – في المرحلة الابتدائية – على ملاك المرتبة الثامنة حسب السلم الوظيفي القديم بمرتب قدره خمسمائة وخمسة وعشرين ريالا يصبح – بعد حسم التقاعد – أربعمائة وسبعة وستين ريالا وهو راتب كان الآخرون يحسدوننا عليه. وعندما أرادت الوزارة أن تحسن المستوى العلمي لخريجي تلك المعاهد الابتدائية افتتحت مركزين للدراسات التكميلية أحدهما في الرياض والثاني في الطائف، مدة الدراسة في كل منهما سنتان، يمنح الخريج بعدهما المرتبة السادسة التي لم أعد أذكر أول مربوط راتبها. كنت واحدا من أصحاب الحظ السعيد الذين تم ترشيحهم للدراسة في مركز الطائف وكان معظم الدارسين في هذا المركز إن لم يكونوا كلهم من أبناء المنطقة الغربية والمناطق الجنوبية وكان أكثر شيء نفرح به – أثناء مدة الدراسة – المكافأة التي ترفع منسوب راتب الواحد منا إلى أكثر من ألف ريال. من أجمل أشياء تلك الأيام أنها أوجدت ألفة وحميمية لا تخلو من بعض الشقاوات بين دارسي المناطق المختلفة ولا تزال تلك الألفة وتلك الصداقات متينة بين بعضنا حتى يومنا هذا. لم تكن هناك مقررات أو مناهج محددة ندرسها وإنما كانت تعتمد على المدرسين الذين يضعونها حسب الخطة المرسومة لهم وهؤلاء المدرسون كانوا من أقطار عربية مختلفة .. من مصر وسورية والعراق والسودان وفلسطين، والمعلم الوحيد الذي كان يلبس الثوب والغترة كان يمنيا يعلمنا التربية الإسلامية، ولكنه لم يستطع التخلص من لهجته. رغم أننا – كلنا – كنا مدرسين إلا أن مقاعد الدراسة أعادتنا إلى شيطناتنا الطفولية وكان بعض معلمينا الذين نجد ثغرة ضعف في شخصياتهم أو معلوماتهم يعانون منا الأمرين. كان معلمنا في مادة التفسير – وهو غير المعلم اليمني – من إحدى الدول العربية عندما دخل علينا في فصلنا أول مرة بهرنا بشياكته وهندامه وأناقته وقدرته على استنزاف زمن الحصة في ما لا علاقة له بموضوع الدرس ولكننا سرعان ما اكتشفناه وبدأنا بحكم تجربتنا وشيء من إدراكنا ننصب له شباك الأسئلة ولم يجد بدا من أن يعتذر بأن التفسير لم يكن تخصصه وأن تخصصه هو اللغة العربية، وبسبب شكاوانا نقل إلى مدرسة أخرى معلما لهذه المادة، ولكنه – حسب ما عرفنا فيما بعد – كانت معلوماته أسوأ مما كانت عليه عندنا في التفسير. أكثر شيء ضقنا به تلك المذكرات التي كان يرهقنا حملها حتى بلغ التبرم بنا منتهاه وحول ذلك وسوس لي شيطان شعري بقصيدة أذكر منها أبياتا قليلة: سئمت هذي المدرسة من جبرها والهندسة سئمت من كل الدروس سئمت هذي الوسوسة وعلم نفس واسع لابد من أن ندرسه يا مركزا جئنا له سعيا وراء السادسة وأخيرا تخرجنا بشق الأنفس، ومازلنا نتذكر أماسي الطائف الصيفية و«حي شهار» الذي يقع فيه المركز و«مقهى بور سعيد» و«شاهيه الأخضر» المطعم برائحة النعناع. للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة