جاء حكم المحكمة العليا بنقض الحكم السابق لمحكمة الجوف ومحكمة التمييز بالتفريق بين المواطن منصور التيماني وزوجته فاطمة العزاز على أساس عدم تكافؤ النسب معززا لآمال الكثير من المواطنين الذين شعروا بغرابة حكم التفريق وبعده عن جوهر الشريعة السمحة التي ترفض الطبقية وتصنيف الناس إلى شريف ووضيع بسبب أنسابهم وفقا لقول الله عز وجل: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». الكثيرون رأوا في التفريق غبنا للزوجين واعتداء على ارتباط مقدس نشأ بموجب عقد شرعي لا لبس فيه حدث بموافقة الزوجة وولي أمرها واعتداء على كيان أسرة متحابة وطفلين بريئين جاءا ثمرة هذا الارتباط. حكم التفريق ألقى بظلال قاتمة على القضاء في بلادنا وهز ثقة البعض في حكمة بعض القضاة وفي مستوى تأهيلهم وخبراتهم ومناسبتهم للقضاء في هذا الزمان. فوق ذلك، أكد ذلك الحكم استمرار التأثير الكبير للنعرات القبلية في مجتمعنا حتى على مؤسسة بوزن مؤسسة القضاء التي تمثل الركن الثالث من أركان الحكم. تساءل البعض: هل كان هناك أشياء خافية بين السطور لم نفهمها نحن؟ هل اختار القضاة الذين أقروا التفريق ذلك الطريق تفاديا لضرر أكبر قد ينتج، لا قدر الله، بسبب العصبية القبلية وما تثيره من حماقات؟، وهل يجوز لمجتمع أن يصبح رهينة لمثل هذه الضغوط وتلك الاحتمالات؟ المجتمع في غالبيته يرفض الرجوع إلى أعراف الجاهلية التي حاربها الإسلام قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ولكن الواقع المؤسف هو أن هذه الأعراف لا زالت تعشعش في عقول أفراد من هذا المجتمع منتظرة الفرص المناسبة لتنمو من جديد وتحاول الرجوع بنا إلى الخلف عبر كل تلك السنوات. ولذا لم يكن من الغريب تعاطف البعض مع حكم التفريق أو استعدادهم لقبوله أو على الأقل السكوت عنه خاصة بعد تمييزه من محكمة التمييز. لحسن الحظ كان هناك قلة ممن نذروا أنفسهم لإحقاق الأحق وإثبات الأصلح مهما صعب الأمر وبهظ الثمن. قصة منصور وفاطمة هي قصة حب ووفاء وإخلاص بين زوجين تستحق أن تدون بأحرف من نور. وهي قصة تكافل اجتماعي. وقصة كفاح طويل من أجل الدفاع عن حقوق الفرد والأسرة ورفع الظلم الواقع عليهما بسبب الوصاية الجماعية أو التسلط الناتج من أعراف القبيلة حسب ما يراه بعض أفرادها. قضاؤنا المستند على الشريعة الإسلامية الغراء يجب أن يكون دائما فوق الشبهات، ولكن القضاة بشر يجتهدون فيصيبون ويخطئون، كل واحد منهم في حدود تفكيره وخلفيته ومؤهلاته وسعة أفقه أو ضيقه، وجهاز القضاء كغيره من أجهزة الدولة لا بد أن يخضع للمراقبة والمحاسبة من قبل ولي الأمر وأجهزة الدولة الأخرى والمواطنين. ونظرا لحساسية جهاز القضاء وأثره الكبير والمباشر على الناس في كل دول العالم كان لا بد من بناء ضمانات في هيكله تتمثل في أنظمة الادعاء والمرافعات وحق الاعتراض والاستئناف والمحاكم الأولية ومحاكم التمييز وانتهاء بالمحكمة العليا. هذه الضمانات هي التي تعطي القضاء قدرته على تجنب الوقوع في أكبر قدر من الأخطاء المحتملة أو تصحيح ما يحدث فعلا من هذه الأخطاء، وهو ما يعطي القضاء، بالتالي، قدره وهيبته. حكم المحكمة العليا جاء مبشرا بإصلاح وتطوير جوانب هامة من مؤسسة القضاء في بلادنا تحتاج إلى التطوير. وحري بنا أن نوجه الشكر إلى المحكمة العليا على إعادة الثقة في نظام القضاء في بلادنا ابتداء بهذه القضية. والشكر لملك الإنسانية عبد الله بن عبد العزيز الذي وجه بإحالة القضية إلى المحكمة العليا وهو الذي بادر بإدخال إجراءات هامة لتطوير جهاز القضاء. والشكر كذلك لكل من وقف بجانب الزوجين المظلومين وساندهما في قضيتهما العادلة من أفراد وهيئات وجمعيات ومحامين، وعلى الأخص هيئة حقوق الإنسان. هذه الجهات بدأت تثبت أهمية وجودها وتلعب دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان وتؤكد أن بلادنا والحمد لله لا زالت بخير، وأن الحق فيها لا يضيع ولا يهضم.. لا ينبغي أن تمر قضية التفريق بين منصور وفاطمة مرور الكرام بل يجب أن نفهم الدوافع والملابسات التي أدت إلى حكم التفريق. ذلك الحكم لا يعكس فقط وجود بعض جوانب القصور في القضاء ولكن وجود خلل في المجتمع، المجتمع الذي يحاول فيه الأخ أن يعتدي على حقوق أخته وزوجها وأطفالها. ومن المهم أن تحث هذه القضية وأمثالها وزارة العدل على الانتهاء من إعداد مدونة قضائية يسترشد بها القضاة وتكون مرجعا يقيسون عليه في أحكامهم. كما نأمل أن يكون حكم المحكمة العليا في هذه القضية رادعا لكل من يحاول إثارة النعرات القبلية للتفريق بين زوجين اجتمعا على سنة الله ورسوله وأن يكون بادرة لتصحيح كل القضايا المشابهة التي تنتظر البت والتي قد يصل عددها في الوقت الحالي إلى ثمانية. وأيضا لتطوير نظرة واقعية عادلة في قضايا مهمة أخرى مثل تلك المتعلقة بزواج القاصرات. بقي أن نتساءل: من سيعوض منصور وفاطمة عن الأعوام الثلاثة أو أكثر التي قضياها في الشتات، بين التغرب والهروب من مدينة إلى أخرى والمكوث في الإصلاحية بالنسبة للزوجة وطفلها، وضياع العمل على الزوج وسنوات الدراسة على الطفلة الكبرى؟. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة