رسالة غريبة، تلك التي وصلتني على بريدي الإلكتروني من قارئ نهم ومتابع دقيق للشأن الإبداعي، وقرأ لي أعمالا ربما أكون أنا نفسي لا أتذكرها، كما وصف نفسه. كان القارئ المتابع يعرض علي أفكارا للبيع، بمعنى أن أدفع له مبالغ من المال نظير تزويدي بأفكار جديدة، أصنع منها روايات عظيمة، فهو يملك حصيلة كبيرة من تلك الأفكار، ولا يستطيع كتابتها لأنه لا يملك موهبة الكتابة، وذكر أنني أول شخص يعرض عليه هذا العرض لأنني روائي (كويس)، ولكن سيسعى إلى آخرين إذا ما رفضت عرضه. رسالة غريبة جدا، ولكن دائما ما توجد غرابة في سكة الكتابة، وإلا ما كانت ثمة كتابة ناجحة، وقد مررت بكثير من التجارب الغريبة في حياتي حتى حينما كنت أكتب الشعر العاطفي، في مدينة بورسودان الساحلية، ويصادفني مجانين يدعون إعجابهم بأشعاري التي يرددون بعضها أمامي، وأتكبد لقاء ذلك الإعجاب كثيرا من الخسائر، لن أنسى إسماعيل الذي أركبني مرة عربة للأجرة على حسابه وأنا طالب مفلس أنتظر باصا ليقلني إلى بيتي، ثم فر في منتصف الطريق تاركا أجرة السائق على حسابي ولا أملك حسابا. لن أنسى الماحي، مدرس الابتدائي الذي اصطادني في إحدى عربات الدرجة الرابعة في قطار مزدحم يشق طريقه بين بورسودان والخرطوم، صارخا بأعلى صوته.. شاعر عظيم في الدرجة الرابعة؟.. حقا تموت الأسد في الغابات جوعا. ثم قادني إلى حيث يركب في الدرجة الأولى وأكتشف بعد ذلك أنه يركب بلا تذكرة ولا نقود، ولا أكل ولا شرب، وأقوم بدفع التكاليف. المهم أنني رددت على صاحب الأفكار، طلبت منه نموذجا من أفكاره التي ستصنع رواية عظيمة أنا بحاجة إليها، حتى أوافق أو أرفض، وكان الرد في رسالته التالية أن عرض علي فكرة عن رواية تدور أحداثها على سطح القمر، بطلها رائد فضاء في سفينة أمريكية، عثر على قبيلة بدائية تعيش هناك وتتمتع بصحة ولياقة عاليتين وأحب إحدى فتياتها حبا جارفا، وانفصل عن مركبته ليتعلم لغة القبيلة، ويعيش هناك. أليست فكرة جديرة بأن تدفع من أجلها؟.. إن لم تعجبك، لدي غيرها ولن أرسلها لك حتى تدفع. في الواقع إن الكتابة ليست أمرا يمكن شراؤه، والأفكار مهما كانت غريبة أو غير مألوفة، ليس بالضرورة تصنع أدبا عظيما، وما يلتقطه الكاتب بنفسه من الطرق والحياة اليومية، يبدو أكثر انسجاما مع كتابته من تلك الأفكار التي يزوده بها آخرون. فكرة صاحب دكان الأفكار هذه ربما تصلح فيلما سينمائيا ممتلئا بالبهرجة، وربما رواية يكتبها أمريكي مغرم بالتقاليع، لكنها ليست روايتي. لن أشتري من دكان الأفكار شيئا ولا أنصح أحدا بالشراء.