اتسمت عبارات صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، في اللقاء الذي استضافته إثنينية عبد المقصود خوجة البارحة الأولى، بالوضوح والصراحة وتشريح الواقع الحالي للآثار، ولم يتردد في وصفه ب«المتخلف»، عندما قال: «نحن، حسب نظرتي، ما زلنا متخلفين في العناية بآثارنا الوطنية وتراثنا التاريخي»، إلا أنه في الوقت نفسه استصحب في حديثه النظرة التفاؤلية الممزوجة بروح التحدي والأمل الكبير الذي يتماثل أمامه بأن تصل آثارنا إلى العالمية قريبا، كما أشار إلى أن «المملكة تدعى كل يوم لتكون حاضرة لقضايا مستقبلية لبناء الإنسان»، لذلك «يجب أن نعطي انطباعا خاصا لتراثنا الوطني الكبير الذي اندثر جزء كبير منه بسبب الإهمال أو التعدي أو تقادم الزمن»، مضيفا: «إننا نعطي هذا البعد أهمية خاصة في هذا الزمن؛ لأننا يجب أن نظهر للدنيا بأسرها أن المملكة ليست بلدا طارئا على التاريخ، ولا متطفلة على المستقبل». وأعلن الأمير سلطان بن سلمان عن إطلاق أول معرض سعودي عن الكنوز الأثرية في المملكة في متحف اللوفر في باريس في شهر يوليو في الصيف المقبل، ومؤتمر للتراث العمراني في شهر أبريل في ربيع المقبل. ولفت الأمير سلطان بن سلمان إلى وجود تعاون بين الهيئة العامة للسياحة والآثار ووزارة الداخلية في مجال «الأمن السياحي»، واستعادة القطع المسروقة خارج المملكة عن طريق «الانتربول»، مشيرا إلى استعادة 10 آلاف قطعة. وقال: «إن الهيئة العامة للسياحة والآثار رفعت توصية بالمحافظة على استراحات الطرق، وهي الآن في مجلس الشورى منذ خمسة أيام». وأبرز الأمير سلطان بن سلمان الأمر السامي بحسم موضوع التعدي على موقع التراث الإسلامي، موضحا «أنه اتخذت الإجراءات لمنع ذلك، خصوصا المساجد التي لها قيمتها التاريخية، وستعيد الهيئة ترميمها وتحديثها»، مبينا أن العمل جار الآن «لانطلاق دار القرآن الكريم في المدينةالمنورة، وإعادة إنشاء متحف خزام في جدة»، مشيرا إلى أنه لأول مرة في تاريخ المملكة يخصص للبلديات ميزانية للمحافظة على التراث. الحماية والتوعية وأعلن عن تأسيس شركة جديدة لتطوير الفنادق التراثية، «وقد انطلقنا في ذلك بشكل كبير»، مضيفا: «لدينا برنامج جديد بمسمى «تمكين» يتضمن الحماية للآثار والتوعية بها وتطويرها وتنميتها والتدريب عليها، كما أننا نؤكد على السياحة العائلية». وأكد أن «أهم سائح نستهدفه هو السائح السعودي، بأن نجعل الاختيار الأول له في السياحة هو بلده، ونركز عليه لأنه مواطن وقدرة اقتصادية هائلة». وأضاف: «هناك قروض من صندوق التسليف للمواطنين لترميم قراهم التراثية، من خلال تحويل القرى التراثية إلى مناطق سياحية، خصوصا أننا ننظر للسياحة في الأرياف كبديل مهم لانحسار الزراعة»، مشيرا إلى الدعم المالي للمتاحف عن طريق البنوك وبعض الجهات الاجتماعية، إضافة إلى وجود برنامج تدريبي لإدارة المتاحف ومواقع التراث، وخطة لتطوير الحرف اليدوية من خلال برنامج أسميناه «بارع»». حفرة الآثار وأوضح «نريد إخراج الآثار من حفرة الآثار، نريد أن تكون الآثار الوطنية معلومة وسهلة المعرفة ومفتوحة ومنظمة وملك لكل مواطن، وليست ملكا لأحد»، معقبا: «نريد تطوير الآثار من منظور البعد الحضاري، وهو أمر ضروري وليس ترفيهيا، ويبرز في شكل قوي وحاضر قبل أن يكون دوليا أن يكون محليا»، معتبرا أن «المواطن السعودي يعرف آثار بلاده أقل من الأجنبي». وتابع قائلا: «نستعين بإخواننا من بلاد أخرى ليعملوا معنا، والطريف أنهم يعرفون بلادنا أكثر مما يعرفه المواطنون، وكثير من الذين عملوا في بلادنا أكثر معرفة من المواطن، وهؤلاء أشادوا بعاداتنا وتقاليدنا، وأعجبوا بالإنسان السعودي، بعد أن عاشوا فترة من الزمن بيننا، لذا لا بد لنا أن نعمل على إعادة الاعتبار لتراثنا الوطني، ولا يجب أن ينظر إليه كفكرة جيدة فقط». وشدد على أن «الأمر في غاية الأهمية ولن يغفر لنا التاريخ لو تركنا هذه الآثار تنهب، فقد تركنا آثارا مكشوفة للتعرية، ووجدناها في متاحف هنا وهناك». زيارة ودموع واستعاد الأمير سلطان بن سلمان أحداث زيارته لموقع أثري قبل أن يكون مسؤولا عن الآثار، «فدمعت عيني لما آل إليه الحال، فأن أتأثر عندما أرى دولة بموارد محدودة تحدث نقلات عظيمة في آثارها، لذلك انطلقنا بالخطة الوطنية لحماية آثارنا، والدولة دعمتها، وستظل تقدم لها الدعم». وتحدث عن خطة «لإحداث نقلة في نظرة الناس للآثار والاعتراف بها واحتضانها»، مؤكدا «أننا نريد استعادة ما اندثر من آثار، فنحن اليوم نعمل في مشاريع كبيرة جدا وبأقل الموارد المالية، وبدأنا في إنشاء جمعيات تعاونية للمحافظة على التراث وإعادة بنائه وتطويره». 8 متاحف وألمح الأمير سلطان بن سلمان إلى التوجه إلى إحداث تطوير للمتاحف، «لن تكون مجرد مبنى، وسنقدم هذا العام 8 متاحف، بحيث تبنى بطريقة مختلفة تماما، وسنحدث نقلة في المتحف الوطني، ليماثل المتاحف الدولية، خاصة أن الكثيرين يقولون إن بلادنا كلها متاحف وفيها من الآثار ما يبهر العالم»، مضيفا: «حتى الآن لم نخرج بعمل متحفي متكامل خارج بلادنا». وخلص الأمير سلطان بن سلمان للقول: إن «الهيئة العليا للسياحة والآثار أبرمت اتفاقا مع وزارة التربية والتعليم بهدف تطوير شامل للمفهوم الكامل للأجيال القادمة من الطلاب عن الآثار والمتاحف وأهميتها، وقد غطى البرنامج 3 آلاف طالب، والعمل جار لتعريف بقية الطالبات والطلاب بتراثهم».