«تستحقّ حياتي أن تُروَى، لا من أجل فضائلي، بل من أجل آثامي». إيزبيل اللندي لكل شيء غذاء وغذاء الكتابة -بلا شك- قراءة مكثفة. القراءة لا تمنح الإنسان الفهم والمعرفة فقط، بل تمده بالأدوات اللازمة للتعبير بشكل أفضل. لن يستطيع أحد الكتابة دون أن يتمكن من أدواته، وأدوات الكتابة اللازمة تبدأ باللغة مروراً بصياغة الجملة وصولاً إلى تقديم المعرفة. تقول إيزبيل اللندي: «أنا أنتمي إلى جيل لم يكن فيه تلفزيون، أما الراديو فكان ممنوعاً من قبل جدي لأنه كان يعتقد أنه يحتوي على أفكار بذيئة، ولم نذهب أبداً إلى السينما لذلك كنت دائماً قارئة جيدة جداً، في سنوات مراهقتي، عندما كنت وحيدة وغاضبة للغاية، كانت طريقتي في الهروب من كل شيء أن أقرأ». بدأت إيزبيل قراءتها حين أعطاها عمها كتاباً مصوراً عن الأساطير الاسكندنافية، تحتوي على رسوم لملكات وأميرات في الفراء، دببة، وثلوج، لقد كانت منذهلة لأنها لم ترَ من قبل الثلج في حياتها. والكتاب الذي غيرها كان في فترة مراهقتها هو (ألف ليلة وليلة)، قرأته في بيروت في سنوات الخمسينيات، حيث كان مخبأً في درج زوج والدتها والواضح أنه لم يردها أن تقرأه. إدواردو جاليانو هو الكاتب الذي غير تفكيرها، فقد قرأت كتابه الشهير شرايين أمريكا اللاتينية المفتوحة عندما كانت تبلغ من العمر 29 عاماً، ومنحها ذلك وعياً سياسياً ودائماً ما تعترف له بالفضل في ذلك. أما الكتاب الذي حرك فيها الرغبة في الكتابة فهو العمل الروائي الخالد (مئة عام من العزلة). والكتاب الذي تعود إليه الليندي دوما هو الأعمال الشعرية لبابلو نيرودا، وتعتبره منبعاً للراحة والسلوى وهو الكتاب الذي اعتادت على قراءته في يوم 7 يناير وهذا التاريخ مهم بالنسبة لها، وسنعرف السبب حين نعرف طقوسها في الكتابة. إيزبيل اللندي هي كاتبة وروائية وناشطة حقوقية تشيلية وواحدة من أكثر الكتاب ترشيحاً لجائزة نوبل. كتبت إيزبيل أكثر من 50 كتاباً ورواية ولعل أشهرها (بيت الأرواح، باولا، إيفالونا، وما وراء الشتاء). كانت الصدمة العظمى في حياتها هي وفاة ابنتها باولا تقول: «أخذوا ابنتي شابة حية بحالة جيدة، وأعادوها جثة هامدة..». والتي ماتت بعد دخولها في غيبوبة إثر مضاعفات مرضها البورفيريا، فحولت ألمها إلى كتاب جميل استعادت فيه طفولتها وذكرياتها، اسمته باولا على اسم ابنتها، وخصصت ريعه لدعم مراكز علاج السرطان. تعد إيزبيل اللندي أحد الكتاب الذين لديهم طقوس خاصة للكتابة؛ فهي تبدأ الكتابة يوم 8 يناير من كل عام ولا تفارق منزلها إلا بعد اكتمال مسودة الكتاب الذي تعكف عليه، ولذا هي تقرأ الأعمال الشعرية لبابلو نيرودا في اليوم الذي يسبق كتابتها لأنها تشعر بأنه يمدها بالطاقة اللازمة للكتابة. قبل أن تبدأ الكتابة تقوم بإشعال الشموع وتهيئة المكان. تقول الكاتبة إن بدئها كتابة جميع رواياتها في نفس اليوم وهو 8 يناير، كان خرافة في البداية ثم تحول إلى عادة، مضيفة عن طقوس الكتابة التي اعتادت عليها: «بعد ذلك أصبحت حياتي معقدة للغاية فأصبحت أحب الانضباط، أحرق بعض نبات المريمية، وأشعل شموعي وأقضي يومي والباب مغلق عند الكتابة، وعادة عندما أخرج، يرسل الناس الزهور ورسائل البريد الإلكتروني وهذا يعطيني القوة والفرح». وتقدّم الكاتبة نصيحة لمن يرغب في الكتابة «اُكتب واُكتب واُكتب. أغلب ما ستكتبه سينتهى به الحال في سلة المهملات، لكن هذا جزءٌ من تدريبك، فأنت بحاجة إلى الكثير من المسوّدات قبل أن تصل إلى كتابة جيدة». ثم تكمل: «عندما تنتهي من نص، اعرض ما كتبته على عدد قليل جداً من الأشخاص الموثوق بهم، ثم ابحث عن محرر أدبي أو وكيل أدبي جيد، ولا تيأس عندما يردّون عليك بالرفض». هكذا هي الكتابة رحلة تبدأ بالقراءة وتنتهي (غالباً) برغبة في الكتابة ربما تصاحبها طقوس معينة تساعد في خلق فضاء مناسب لدفع الكلمات والأفكار التي تسكن بداخل الشخص إلى التعبير عنها نثراً أو شعراً. إيزبيل اللندي شخصية ملهمة في عالم الكتابة وأحد أهم الكتاب المعاصرين الذين تترجم أعمالهم حين صدورها وتطبع أعمالهم ليقرأ لهم العالم كله. وإذا كنا ننظر إليها ككاتب ملهم فيجب قبل ذلك أن ننظر لها كقارئ ملهم، وهذا بالنسبة لي أمر مهم لتأكيد أهمية القراءة في حياة الإنسان.