طوّل (ساهي) نومته، إثر عشوة ثقيلة مكوّنة من (دراميح وطبيخة دُجر) نفخت بطنه، وليقينه بما ينتظره، من شقاء يوم طويل، تصامّ عن نداءات أمه، طمعاً في إتمام الحِلم الملائكي الذي حلّق به في عوالم ساحرة، وتمنى أن يمتد المنام، ولا ينتهي حلمه المجنّح. قالت الأم لأخته (نابهة)؛ اسحبي الكسا من فوقه، ورُشّي جبهته بصفحة ماء. امتنعت الفتاة، المتقدمة بوعيها، وردّت بتحريك إصبع يدها اليمنى يمنة ويسرة، ثم مرّرت الإصبع على خدّها الأيسر، كناية عن العيب والخجل، فهي تدرك أن شقيقها، داخل سن مراهقة، وانفعالات الجسد، في فراش النوم تقتضي احترام خصوصية، غير قابلة للانتهاك. صرخت الأم؛ فيّقيه يسرح بغنمنا، ويغنم بُراد أوّل النهار، وزادت؛ القيظ وارد، والشمس كل مالها تحمى، ما بتقعد في حراه، لين يسرح ويروح. استشعر بحدسه، ما دار بين الأم والأخت، فمغّط الثوب المُجعْوَل، وشدّه إلى تحت الركبة، واستدار ليستند على الجدار، ويقف تدريجياً وهو ملقّيهم ظهره، وخرج من الباب، فلحقته نابهة بالإبريق، لتصب عليه، فأخذ الإبريق من يدها، ونزل مسرعاً إلى الجرين ليتخفف مما يلزم، ولم ينجح في ضبط غازات بطنه، فعلّقت جارتهم أم (لاهية)؛ بعض الناس يأكل خليفي، ولا سرّة ولا درّه، ففهم مدلول عبارتها، وترفّع ثيابه وقام. حزم عمامته على رأسه، وتناول من شقيقته، زنبيل فيه شتفة خبزة ذُرة، وحبات تمر، وزمزمية ماء، وبالعصاة المقبوضة بيده اليمنى، بدأ يعدّ الغنم وهي خارجة من المراح، كونها عُهدة عليه؛ الله واحد، ما له ثاني... ثلاثة...أربعة.. خمسة، ستة... سمحة.. أوصته الأم وهو خارج من المسراب؛ انتبه لغنمك، وافتح عيونك، ولا تغفل عن الشاة السِرفة، فتنزي على حق الناس وتاهب لنا فتنة. لقي (لاهية) سارحة بغنمها، مدّ لها بحبّة تمر، فقالت؛ خلّها لين نوصل، سنّعوا غنمهم على وسايف، مجاورة لمدرجات أعواد وعذوق الخريف، وتحت ظل صخرة، فرد عمامته، وأخرج الخبزة والتمر، وتفاولا، وبدأ يلعبان القطرة. تسللت (الشاة السِرفة) وداست ركيب (الخِطل) وما أمداها تجمط بفكيها، من العشب حتى احتضنها، وانتصل سلّة الجنبية، وجزّ من شعرها وجلدها لتثبيت الاعتداء، والاحتفاظ بدليل لتطبيق التعزير على ربّ الأغنام، وقبل ما يعيد نصلها في الجراب، أطل عليه (أبو لاهي) وقال؛ حيّ لي المرجلة وراعيها، تتقوى على شاة، يالباقص، وما كمّل كلمته حتى ركب الشيطان (الخطل) ليحزّ رأسها عن جسدها بالجنبية، لتثور بندق راعي الشاة ببارودها جنب صفحه، وكانت طيحته اللي ما قام منها، صاح النسوة، والأوادم انشغلوا بتكفين الفاني، ودفنه، والقبيلة في أخذ ورد، والمجيعين التقطوا الشاة المُذكاة، وندروا بها الأصدار، ونصبوا بغداهم، على شبب معترض، ما كانوا له سبب. لجأ (أبو لاهي) لأخواله في قرية مجاورة، وصك بشهر لا يخرج ولا يدرج، والعيون تترصد، ورئيس الحامية التركية كلما أرسل مندوب يطلب حضوره، عاد بالبخشيش، عكّة سمن رايحة، وسطل عسل جاي، وفي ليلة ظلماء، صوّب أخو القتيل فوّهة بندقيته من ثُعلبة الباب، لتضرب في رأس الخال، ولقمة العصيدة، في يده، ما قسمت له، فانقلبت القرية، وناس يطارد، وناس يحاول إسعاف الرجال، وزوجة الخال تنظر في الدخيل المنحوس؛ وتردد كلها نبّتك الله لا يعفي عنك. كانت الفتنة بين جارين، وتوسّعت لتصبح بين قريتين. وأخذ الحماس ابن الفقيد، فعمّر البندقة بالمعبر، وقبل ما يثبّت الزردة، قبضت أمه على يده، وقالت؛ خل البندقة مكانها، وحط ايدك في شطوتك، بعد تشبع وفي يدك كسرة، وأقسمت يا هذي الفتنة ليروح فيها رقاب. تربّص محراث الشرّ من قرية الأخوال، بكبير القرية المجاورة، وهو عائد من السوق فوق حمارته، وصفقه، بين أكتافه، لتعود الحمارة البيت بالخُرج مليان مقاضي، وفوقها جُثّة آدمي. تلاحقت التصفيات، حتى انذبح سبعة رجاجيل من القريتين، وتفاقم قلق الناس على حياتهم، وبعد صلاة جمعة قام شيخ القبيلة في جامع القرية المغبونة، وقال؛ أبشركم الملك عبدالعزيز استعاد مُلك أجداده وأهله، وأصبح ملك البلاد، وسافرنا بايعناه وطلبناه، يعيّن لنا أمير وقاضي، وهم على وشك يوصلون، وتراه أوصانا ببعضنا خيراً، وأقسم أن من يأخذ بثأره دون رجوع للدولة والشرع ليجعله عبرة لمن يعتبر. وانتقل للقرية الغابنة، وقال؛ وجبت الخاتمة لجيرانكم مني ومنكم، بدأ عهد يقص المسمار، واللي في رأسه هبقة جاء من يهجّدها، ويا عيبتاه إن كان ينقتل من قريتين سبعة مطاليق بسبب شاة، ومن اليوم وما تلي، اللي له حق عند جاره يعطيه الشرع وتتكفل به الدولة، رددوا؛ بصوت واحد؛ قالها الرشيد، وانحن معك فيما تقول، وأسبوع والزير ما توقّفت حنّته، والغداء في بيت والعشاء في بيت. أقسم (ساهي) أمام الشباب ليتزوج بلاهية، وسمعت أمه الخبر فقالت؛ يفقدنيك ما تحلّ عليك، ولا تروح بيتنا ورأسي يشم الهوا، وسمعها (أبو لاهي) فقال؛ خليه يأخذها، وش يرزاك، ما يصلحون إلا لبعضهم، (وإن شا الله ياجي لغالينا ولد يغدي مفاكرة). راحت العروس، ولفت القرية المغبونة مباركة، ومشاركة بعرضة، مرددين في مدقالهم (الفِتن بين القُرى والقبايل، الله أطفاها بعبدالعزيز)، فردّت القرية الغابنة (تحت راية مُلك من له قبايل، جاه جيراني وجاهي عزيز). وأقبل عليهم الشاعر بن قحطان فبدع (فيما مضى كان النِمِر يأكل الجمل، واليوم جا م الشرق عَودن صريف نابه، محل ما يلقى النمارى يدوسها)، فبدأ أبو سعد يشرح القصيدة للمتفرجة؛ العود سيّد الجُمال، والشاعر يقصد الملك عبدالعزيز.