اتكأ (أبو ساطي) بيده اليمنى على جدار ملاصق لدرج البيت، ليعينه على الصعود. وكان يترنم (يا الله على الراية تقوّم حظنا، وتهب لنا يالله دراجٍ عالية) فحم الرجال، فاستدرك في منتصف الدرج: صاح الله على من يطلب دراج عالية. الوطأ سهالة والفُقة رجالة. وصل أعلى درجة وإذا بسيدة محنية رأسها في طشت الغسيل. تخطط في طحين. وضع كفيه في وسطه ليتمكن من إقامة صلبه، وزفر بصوت مرتفع يا ظهرك يا بو ساطي ظهراه. وسأل: من هي تيه العِرْبِيّه عندك يا مرة؟ فأجابته؛ فضيلة الخطاطة. طلبت منه يجلس، فقال: فكينا من خطاطك يا مخلوقة ما يعلم الغيب إلا علام الغيوب. فقالت: والله يا رزقك أنه طالع يسعى وراك وبيوصلك في تالي ليل! علّق: هذا رزق أعمى، ليش ما يجي مع شرقة الشمس وش له وش للغدرة وضحك بصوت مرتفع والتفت وراه وإذا البسة طالعة ساقته. في ليلة شاتية معتمة، شديدة البرودة. سكنت فيها القرية سكون المقابر تحت جنح الظلام والضباب. الكل عاد من مزرعته ومرعاه قبل الغروب، وخلد للراحة، ولا أثر سوى لصوت الرياح في الزنق المثبت كمظلة على بعض أبواب الموسرين. حتى الأغنام هجدت والحلال هجع. صوت البهم بالكاد يتسرب من فتحات باب السفل. فك أبو ساطي الكمر وعلقه في الزافر. ثم تناول الإبريق النحاسي وغسل وجهه ويديه فوق العتبة، واستقبل القبلة ليؤدي فريضة الله. قبل ما يحين أذان العِشاء وضعت زوجته بين يديه طاسة دُجر مع دراميح فاجتمعت أسرته حول الصحن وكل واحد تناول مقسومه من مرزق ربي. انطفأ الفانوس لوحده قال أبو ساطي: أحسن. وأوصى الزوجة تولّع القازة وترفعها عن أيادي البساس وأقدام الصبيان. شمعة القازة تنوس على الجدار القبلي وترسم للأطفال خيالات، وأختهم الكبيرة تؤلف لهم حكايات حتى يتمكن النوم منهم فتغطيهم بالبطانية ويغط الجميع في سبات عميق. نقر بعصاه الباب «طقتين. ثلاث. أربع» فزّت أم ساطي من ألذ نوم واستحبت الكساء من فوق جسم زوجها؛ أبو ساطي. نادته بصوت خفيض، كررت النداء: يأتيها الرد مبهما «هنووويوووه» ويرفع رأسه متثاقلا وينطق بعد مسح براطمه بعمامته: وشبك؟ قالت: اسمع دق على الباب، قم ألمح من. أجابها والله ما فيّه عظامي مدقدقة، قومي إنتي. الجدل بينهما دفع الطارق للضرب على الباب بقوة. لطي ثوبه الشفاف فوق جسده النحيل من إثر الرذاذ المنهمر، والضباب المحتشد في المساريب، وبدأ لحي المسكين يرقل وعظامه ترتجف، وكاد يغلبه اليأس ويفقده الأمل في مبات. قامت ولفت شرشفها على رأسها، وولّعت الفانوس، سحبت الزرفال ووارت جسدها وأخرجت رأسها متسائلة: من؟ وإذا بالقادم عاجز عن الكلام. ملابسه تقطر، وحالته يرثى لها، وما صدق على الله تقول له: زِل، فدخل وكأنما دخل الشيطان الرجيم على زوجها وكاد يطرده، ونشبت النشايب بينه وبين أم الصبيان، طلبت منه يشب النار ولا يتفشل من ضيفه. سأله: وراك يا الرفيق ما جيت في سفر النهار؟ فلم يرد عليه: الرجال عينه على النار وعلى المواعين. بدأ الدفء يتسرب لجسمه ومع لبزة تمر وضعتها السيدة في كفها غلبه النوم. فيما بدأ الزوج والزوجة يتسامران. وكيف ينامان وبينهم غريب. فرض قدوم الضيف إعادة ترتيب المكان. تحريك الأطفال من موقعهم المعتاد لفسح مكان للزائر. استيقظ أبو ساطي، تلفّت يمين يسار. لا أثر للضيف. سأل نفسه: حلم وإلا علم اللي شفته وسمعته البارح يا بو ساطي؟ تلمّس بيده لعمامته فوق المسند، ومع تحريك كفه سمع صوت رنين. مدها وإذا خمسة جنيهات ذهب تحت طيّة الفرشة. يا كرم الله. هبط سوق الخميس وعاد بحمارة وبقرة وثور. وتناقلت القرية خبر الثراء المفاجئ الذي حل على أبو ساطي. ناول زوجته ريحان وكادي وموز تهامي وطلب منها توصله لفضيلة الخطاطة. خرجت من عنده فبدأ يعد مرزقه بعدما صرف الجنيهات، وأقسم لنفسه أن ضيف الليل محبوب والضيف مخلوف بخير. علمي وسلامتكم. كاتب سعودي Al_ARobai@