كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، قادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم: أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد الشيباني، الخطيب التبريزي، ولد عام (421ه)، كان إمام عصره في علوم اللسان، وشيخ بغداد كلها في الأدب. شُهر بنسبته إلى «تِبْريز» التي ولد ونشأ فيها. لازم أبا العلاء المعرّي، وقرأ عليه «تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري، إضافة إلى مؤلفات المعرّي الشعرية والنثرية، والكثير من الكتب الأدبية واللغوية. آثاره العلمية له مؤلفات علمية متنوعة في العلوم الدينية واللغوية، منها: «الملخّص في إعراب القرآن»، «تهذيب غريب الحديث»، «تهذيب إصلاح المنطق»، «تهذيب كتاب الألفاظ»، «تهذيب الغريب المصنّف»، «شرح اللُّمَع»، «مقدمة في النحو»، «الوافي في علم العروض والقوافي»، كتاب «شرح ديوان المتنبي»، كتاب «شرح المعلقات»، كتاب «سقط الزند» وهو ديوان أبي العلاء المعري. ويرى بعض النقاد المحدَثين أن للتبريزي منهجاً متميزاً في الشروح الشعرية. من تلامذته: ابن السيِّد البَطليوسي الأندلسي، وابن هشام النحوي المصري، وأبو البقاء العُكبري، وعبد القادر البغدادي، وجلال الدين السيوطي. توفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة 502ه.