يتناهى الى الذهن في معظم الاحيان عند سماع أو قراءة عنوان كتاب "إصلاح المنطق" أننا بصدد كتاب في المنطق العقلي، منطق المقولات، والأقيسة المنطقية، والبرهان، وهذا هو حال كتاب ابن السِّكيت صاحب هذا المصنف، الذي هو في حقيقة الأمر كتاب في العبارة اللغوية، الصرفية والنحوية، وضعه ابن السكيت ت244ه في سبيل الحفاظ على صفاء المنطق النطق، أي الكلام وقد رأى ابن السكيت ان المصنفات المعجميه، وكتب الاعراب والصرف، لا تحيط بظواهر ومثالب اللحن الأدائي، فوضع كتابه "إصلاح المنطق" لاستيعاب ما أغفلته مناهج العلماء في عصره، واعتمد فيه - اضافة الى أقوال علماء البصرة والكوفة، ما سمعه من أفواه بعض الأعراب وهم معيار الفصاحة البيانية، لاستيعاب ما تناثر من المفردات التي تلبست، أو يحتمل ان تتلبس الاضطراب في الأداء، ووضعها في أبواب تضبط اللغة بضوابط من الوزن الصرفي، وظواهر العلة والهمز والتضعيف، والتذكير والتأنيث والتثنية، والتغليب والجحد السَقم فجمع تحت كل باب الألفاظ المتفقة أو المتقاربة، مؤيدة بالشواهد وبعض التفسير، ليحفظ لغة العرب من اللحن والخطأ، ويحافظ على لسان العروبة. وفي خواتيم القرن الخامس لمس الخطيب التبريزي ت502ه وهو يقرأ أو يُقرىء هذا المصنف الفريد من نوعه انه يحمل ألواناً من صعوبة الغموض والتكرار اشتكى منها أبو العلاء المعري والخلل في رواية بعض الناس لعباراته أو شواهده، فقام بشرحه وتهذيبه في منهج جديد، جامعاً النظائر، وحاذفاً التكرار، ومقوماً ما اختل من الرواية في النثر والشعر، والتصرف في نسق بعض المواد والألفاظ، وتفسير الشواهد الشعرية والنثرية واستدراك بعض الألفاظ والعبارات على ابن السكيت. ولذلك لم يسمِّ الخطيب التبريزي كتابه هذا شرحاً، وإنما سماه "تهذيب اصلاح المنطق". غير ان بعض المتأخرين أطلقوا عليه أسماء مختلفة: "مختصر اصلاح المنطق"، "شرح إصلاح المنطق"، "شرح شواهد إصلاح المنطق"، و"إيضاح الاصلاح". وكان الخطيب التبريزي قد قرأ إصلاح المنطق على ابي العلاء المعري في معرة النعمان، ثم قرأه على شيوخ اللغة والمنطق النحوي في العراق، وأخذ عنهم تفسيرات واستدراكات وتصويبات، جمعها الى حواش وتعليقات من نسخ شتى، وشرح ابن السيرافي ت 385 على شواهد الإصلاح "شرح شواهد الإصلاح" وكان الخطيب التبريزي نقل عن ابن السيرافي أكثر كتابه وأدخله في "تهذيب الاصلاح"، استعان محقق الكتاب الدكتور فخرالدين قباوة بنسخة الكتاب المخطوطة في مكتبة كبرل باستانبول للمقارنة بين المتن والشرح. كما اعتمد التبريزي على جمهرة من العلماء كالخليل بن احمد الفراهيدي، وابي عمرو بن العلاء، ويونس بن حبيب، وسيبويه، وأبي زيد الانصاري، والأصمعي، وأبي عبيدة، وأبي عمرو الشيباني، وابي حاتم السجستاني، وهشام الغرير. وأبي عبيد القاسم بن سلام، والرياشي، وبندار، والمبرد، وثعلب، والسكري، والفاريس ابي علي وابن جني، والسيرافي وأبي محمد الأعرابي الغندجاني، وجمهور من الأعراب والرواة. وقد عكف محقق الكتاب، الدكتور فخرالدين قباوة من المغرب في اثناء متابعته دراسة منهج التبريزي في شروحه الأدبية واللغوية، على جمع مادة الكتاب، في العديد من المخطوطات المتوافرة في مكتبات استانبول، ودار الكتب المصرية بالقاهرة، وتابع التنسيق والضبط والتفسير والتخريج والاستدراك فجاء المعجم في حلة علمية ميسرة ومفيدة. * الخطيب التبريزي. تهذيب إصلاح المنطق. تحقيق الدكتور فخرالدين قماوة. مكتبة لبنان. بيروت - 1999.