كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، وشروعهم في بناء الدولة، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم: أبو الحسن علي بن إسماعيل والمعروف بابن سِيدَه المُرسيّ لغوي أندلسي، وهو كاتب معاجم الأندلس، ولد في مرسية بإسبانيا 398ه وتوفي في دانية الإسبانية 458ه. وكانت مدينة مرسية التي تقع في شرقي الأندلس آنذاك، تموج بحركة علمية زاهرة، وتنتشر فيها حلقات العلم التي يتصدرها أئمة أعلام، ويقصدها طلاب العلم ومحبو الثقافة. ولد ابن سيده ضريراً مثل أبيه الذي يقال إنه ولد ضريراً كذلك، وخلّف وراءه الكثير من المآثر، ومنها: المخصص، والمحكم والمحيط الأعظم، وهو من المعاجم الجامعة في اللغة العربية، والأنيق وهو في شرح لديوان الحماسة لأبي تمام، وشرح إصلاح المنطق، وشرح ما أشكل من شعر المتنبي، والعلام في اللغة على الأجناس، والعالم والمتعلم، والوافي في علم أحكام القوافي، والعويص في شرح إصلاح المنطق، وشرح كتاب الأخفش، والسماء والعالم، والعالم في اللغة، وشواذ اللغة.