الإمام الشافعي فضلا عن علمه الغزير، له صولات رائعة في مجال الشعر، خصوصا في الحكم والوعظ والنقد، وقد قال في الصداقة: «صن النفس واحملها على ما يزينها، تعش سالما والقول فيك جميل، ولا ترين الناس إلا تجملا، نبأ بك الدهر أو جفاك خليل، وإن ضاق رزق الْيَوْمَ فاصبر إلى غد، عسى نكبات الدهر عنك تزول، ولا خير في ود امرئ متلون، إذا ما الريح مالت إليها يميل، وما أكثر الإخوان حين تعدهم، ولكنهم في النائبات قليل». كنت أقرأ لصاحبي هذه الأبيات. بعدما شكا لي المر من تنكر الأصدقاء، وغيابهم وقت الحاجة، وعند حاجتهم يأتون متوددين. وذكر أمثلة عدة. يقول عندما كنت في العمل كان أحد العاملين معي صديقا، أعده مثل أخي، وكم وقفت معه وأنقذته من مواقف صعبة عدة بعضها لو تم لأطيح به، وقد علم بعضها والبعض الآخر لم أخبره به حفظاً لكرامته، لكن سرعان ما تنكر ومنذ غادرت العمل قلب ظهر المجن بل وأساء لي. وصديق تعرفنا على بعض من مدة طويلة وكان لنا نشاطات متعددة ولكن الرجل أصبح ذا حظوة وشهرة، ولَم يعد يسأل عني. قابلته صدفة وقلت له وين الناس؟ قال: يا أخي أنت ما تشوف كثر العمل المكركب علي؟! حتى والله ما أقدر أحك راسي قلت له: بسيطة جيب واحد يحك لك راسك. وآخر خلته من أنبل الناس وأكرمهم، آزرته في مجتمعه وبعض ظروفه الاجتماعية. ولكن جاء يوم ليته لم يأت فاحتجت منه خدمة صغيرة لدى إحدى المؤسسات الخاصة التي له دالة عليها ولكن خرج ولم يعد، تمنيت أن يعتذر بأي عذر ولا يصدمني بجفوة، لِمَ الناس يتغيرون؟ أين الوفاء والمروءة؟ هل أنا السبب لأني لا أحسن اختيار الأصدقاء. لقد خففت عني.. فإذا كان هذا الإمام التقي الورع بتلك الأخلاق الفاضلة والعلم والمشاعر الراقية، شكا من تنكرهم فكيف بشخص مثلي؟ أجبته: لو دفعت مالاً لمعرفة حقيقتهم ما نجحت، قال كيف قلت كفاني عن الشرح أيضاً الإمام الشافعي، حين قال: جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي. وما شكري لها حمدا ولكن، عرفت بها عدوي من صديقي، فقال صاحبي جزاك الله خيرا، لقد انتشلتني من ضيقي. أما هؤلاء فقد محوتهم من مفكرتي بناقص ثلاثة ناقصين يا صديقي.