بملامحه النجدية الهادئة، وهدوئه الطاغي على أحاديثه، وقدرته على إدارة العشرات من الملفات الحكومية، يمضي وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، في طريق تحقيق رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد، ضمن فريق حكومي تنفيذي اصطلح سعوديون على تسميته «فريق محمد بن سلمان». ورغم صخب حضور وزير الثقافة في الأيام الماضية، بعد أن نجح في قيادة اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة في نيل استحقاقات ثقافية دولية، بدءاً من فوز المملكة بعضوية المجلس التنفيذي في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وعضوية المملكة في برنامج «المعلومات للجميع» (أيفاب)، وانتخاب بلاده للمرة الأولى في لجنة التراث العالمي، ونجاح معرضين سعوديين أقيما في باريس وروما حول الآثار والتراث والتاريخ في المملكة، إلا أنه لا يزال كما اعتاد المثقفون عليه «هادئاً وواثقاً ومصمماً على الوصول إلى مراده»، فالوقت كما يقول الإنجليز «لا ينتظر». وتعرف مثقفون سعوديون للمرة الأولى على أول وزير يحمل وزارتهم، بعد فصلها سيامياً من وزارة الإعلام في يونيو من العام الماضي، في أحد البيوت الطينية بالدرعية التاريخية، قلب البدايات السعودية، وبدت وجهة وزير الثقافة في رحلة المستقبل واضحة من مكان انعقاد لقائه الأول مع المثقفين. ويشير أحد الذين حضروا اللقاء الأول مع وزير الثقافة (فضل عدم ذكر اسمه) إلى أن اختيار موقع اللقاء كان يحمل رمزية كبيرة، مضيفاً: «أدركنا حينها أن رحلة الثقافة السعودية ستنطلق من تراثنا العريق إلى العالم، وهذا بيت القصيد». وبين اجتماع «بيت الطين» في الدرعية وصعود وزير الثقافة منصة القاعة «رقم واحد» في «اليونسكو»، والتي ألقى من فوقها توجهات بلاده المتوثبة للتطوير، والتي انفتحت شهيتها ل«الإصلاح الشامل» منذ نهاية أبريل 2016، تجاه الثقافة والعلوم والفنون، قبل أن تكلل جهودها بانتخابها في المجلس التنفيذي في اليونسكو ولجنة التراث العالمي، 9 أشهر كانت حافلة في الوسط الثقافي المترقب لما يشبه «عاصفة تقتلع السكون». وانطلقت «ساعة التنفيذ» في القطاع الثقافي منذ إعلان وزيرها الأول، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، استراتيجية وتوجهات وزارته في أواخر فبراير الماضي، وأضحت خارطة طريق الوزارة الجديدة واضحة في رحلة البناء والتمكين، إذ ستركز في أعمالها على 16 قطاعاً فرعياً، لتعطي معنى أشمل وأرحب لمفهوم الثقافة في المملكة، وبدأت في تنفيذ العديد من مبادراتها في حزمة مبادراتها الأولى ال 27. وعلى مشارف انتهاء العام، أخذت ملامح الكيانات الثقافية تظهر، والتي تأخذ طابعاً مؤسسياً (المتاحف، الأفلام، الموسيقى، المكتبات، الأزياء، التراث، اللغة والآداب والنشر، المسرح والفنون الأدائية، الفنون البصرية، فنون العمارة والتصميم، وفنون الطهي)، وأضحت الوزارة أقرب من أي وقت مضى لإسناد مهام كل كيان ثقافي، والذي سيتبع للوزارة رغم تمتعه باستقلالية في إدارة شؤون القطاع المعني، إضافة إلى أنها ملزمة في العمل في إطار رؤية والتوجهات الاستراتيجية العامة للوزارة. وستتركز مهام كل كيان ب 5 مسؤوليات، تبدأ بتطوير الخبرات، وعقد الشراكات، وإدارة الأصول الفكرية والمادية التي يمتلكها، إدارة وتوفير التمويل الداعم لأنشطة القطاع، إضافة إلى تنفيذ الخطط الاستراتيجية المنوطة بها. ومع تأسيس الكيانات الثقافية ال 11 والمنبثقة من القطاعات الفرعية للثقافة، فإن الوزارة ستكرز عملها على 6 محاور رئيسية للتركيز على أداء دورها ومواجهة التحديات وتحقيق ما تطمح إليه من تنمية متكاملة للبيئة، وتبدأ بقيادة القطاع الثقافي، تطوير البيئة الثقافية، سن الأطر التنظيمية الممكّنة، التبادل الثقافي العالمي، تقدير المواهب ورعايتها، وحفظ التراث والثقافة السعودية. وبالعودة إلى المرحلة بناء «الأساسات» للقطاع الثقافي المؤسسي، فإنه لا يخفي العديد من الفاعلين داخل القطاعات الثقافية تفاؤلهم بما يسمونه «خلطة بدر بن فرحان» لتحقيق أهداف وزارته. ورغم أن وزير الثقافة لا يزال في مرحلة التأسيس والبناء، والتي عادة ما تتطلب المزيد من الوقت كونها تركز بشكل كبير على التعليم وبناء القدرات من النشء، إلا أن الانتصارات الثقافية في الاستحقاقات الخارجية التي ظفر بها السعوديون، تشي بنجاعة العمل الكبير القائم على عدة محاور وفي وقت واحد، والذي أفصح عنه وزير الثقافة في حوار صحافي في سبتمبر الماضي. كما أن تحريك الوزارة للركود الذي طال العديد من الملفات الثقافية، كالموسيقى في التعليم وأكاديميات الفنون، ومعضلة التفرغ التي تواجه المثقفين والمبدعين، والابتعاث الثقافي، وغيرها، أعطى رسالة واضحة بأن الوزارة عازمة على حلحلة جميع الملفات باستراتيجيتها التي أعلنتها في أواخر مارس الماضي.