هناك مصطلح في علم النفس يُدعى ( Delayed Fulfilment) ويعني التأخير في تحقيق مراد النفس، وهذا المفهوم يتعلق بالتلبية الفورية أو التأخير في تحقيق رغبات النفس. عندما تعِد طفلا بشراء شيء إذا نجح في دراسةٍ أو عملٍ ما فإن الطفل سرعان ما يبدأ بالإلحاح بطلب ذلك الشيء قبل حتى أن ينجز المطلوب منه، وأما إذا وعدت شخصاً كبيراً فإنه سينتظر حتى يحين الوقت الموعود. يذكر خبراء علم النفس أن هذه الخاصية معيار يميز بين الصغير والكبير وبين الناضج وغير الناضج من البشر. عندما يطلب منك الطفل شيئا ولا تقوم بإحضاره له فوراً فإن الطفل سيبكي ويشتكي مباشرة، ولكن عندما يكبر فسيصبح من السهل عليه تحمل مثل هذه الأمور. تتفاوت قدرة البشر على هذا النوع من التحمل الذي يُعد علامة على مدى النضج النفسي والعاطفي لدى الأشخاص. إن ما ينطبق على الأفراد، ينطبق على الشعوب كذلك لاسيما في مجال تطبيق الإستراتيجيات الوطنية والرؤى الاقتصادية والاجتماعية الكبرى ذات الأمد الطويل. وينطوي الصيام على تدريب تلقائي في مجال ما يسميه الخبراء النفسيون ب«التأخير في تلبية الرغبة» إذ يساعد الصائم على تحمل التأخير في تحقيق الرغبة الذي يعتبر أحد المعايير التي تميز الكبار عن الصغار ويقاس بها نضج الأفراد. إن الإنسان أساسا مفطور على العجلة كما أنه مفطور على العجز وجاءت الشريعة لتقوي هذا الضعف. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء: «خلق الإنسان من عجل» وفي سورة الإسراء يقول تعالى: «وكان الإنسان عجولا» والقرآن نفسه عندما يشير إلى طبيعة الإنسان ينهى من الاستعجال كما ذكرت الآية نفسها من سورة الأنبياء: «سأريكم آياتي فلا تستعجلون». وبناءً على ذلك فإن الإنسان المسلم مأمور على مغالبة الطبيعة ومأمور بالتثبت في الأمور. هل يمكن أن نتصور برنامجاً تدريبياً أكثر نجاحاً من مدرسة رمضان التي يتدرب فيها الصائم على الصبر والامتناع عن الأكل وسائر المفطرات من الفجر حتى الغروب، فخلال هذا البرنامج يقوم الصائم بإنضاج الجانب العاطفي والنفسي في شخصيته وشحذ شخصيته. إذ أن كلمة رمضان نفسها مأخوذة من (رمض) وهي تدل على شدة الحرارة التي تصقل جوهر النفس! * محاضر بجامعة (إس إم يو) بولاية تكساس الأمريكية سابقا