لا يعني النضج مقدار ما بلغه الإنسان من العمر، فقد يكون عمر الشخص 50 عاما ولكن سلوكه وأفكاره تتسم بالطفولة . ولذلك فإن أهم عامل من عوامل الحياة الزوجية السعيدة هو نضج الزوجين جسمياً، وعقلياً واجتماعيا ، وعاطفياً. ويقول خبراء العلاقات الزوجية ان أصلح الزيجات ، وأسعدها هي تلك التي يتفوق فيها الرجل على زوجته بقدر ولو قليلا من النضج العقلي لأن هذا يزيد من ثقة الرجل بنفسه، ومن اعتزاز الزوجة بزوجها، لأن هناك العديد من حالات التعاسة الزوجية التي لعب فيها تفوق الزوجة على زوجها في النضج العقلي دوراً رئيساً جعل الحياة الزوجية جحيماً لا يطاق، لكن هذا لا يعني أن يكون الفارق في النضج كبيراً يستحيل معه التفاهم بين الزوجين، وتقارب ميولهما واتجاهاتهما. ملامح عدم النضج وفي بحث قديم أجري بجامعة ولاية (نورث كارولينا) الأمريكية حول مدى أهمية النضج الاجتماعي والعقلي للزوجين، تبين أن أهم ملامح عدم النضج هو أن يختلف الزوج مع زوجته لمجرد أن يثبت لها أن له رأيه الخاص . ثم يقول الباحثون: إن الشخصية غير الناضجة تنهار امام المسؤوليات الزوجية وأعباء الزواج، وهي غالباً ما تلقي اللوم على الطرف الآخر في كل خطأ تقع فيه الأسرة حتى تهرب من تحمل المسؤولية . وإذا كان الشخص قد عانى في صغره حياة أسرية غير مستقرة فهو عندما يتزوج لا يلبث أن يلاحقه شعور بالخوف من عدم وجود الاستقرار في حياته فيغار من زوجته بدون مبرر، ويفرض عليها أنواعاً من القيود، دون سبب واضح، بل ويحاول إثارة غيرتها عليه بشتى الطرق . الزوج الطفل ومما يلفت النظر في هذا البحث أيضا ظهور شخصية الزوج الطفل في كثير من الحالات، وهو الذي نشأ وتربى على الخضوع للأوامر فيكل صغيرة وكبيرة فلا يستطيع التصرف في شيء إلا بعد الرجوع إلى من بيده الأمر وفي كثير من الأحيان أمه. وعن هذه الشخصية يقول الدكتور محمد غانم أستاذ الطب النفسي: (يتميز صاحب هذه الشخصية بالتبعية الكاملة، وعدم الاستقلالية، فهو يعتمد كلياً على الآخرين في أموره الشخصية، ومتعلقاته الخاصة، فهو عاجز دائماً عن إبداء الرأي، ويهرب من اتخاذ القرار، ويتحاشاه ويبحث دائما عمن يتخفى خلفه ويتستر وراءه متنازلاً عن إرادته، يفعل ذلك وهو راض وسعيد بالتبعية لان البديل لذلك هو أن تتكاثر عليه المخاوف) . ثم يقول : وهناك بعض الشخصيات الاعتمادية (الطفولية) التي يتوقف كل شيء لديها على شخصية محورية بذاتها تتعلق بها وترتبط بمواقفها، وتحرص على إرضائها بشتى الطرق، ومن ذلك مثلا اعتماده على زميله في العمل أو على زوجته في المنزل ، وحتى قبل الزواج لابد أن يتدخل الشخص الذي يعتمد عليه في القرار ويختار له عروسه ! إنه باختصار يعاني من عجز دائم ومتجمع في ملاقاة التزاماته الحياتية ضمن النطاق العائلي أو الاجتماعي، وهو بسبب هذا العجز يجد نفسه مضطراً لاتخاذ مرتبة أدنى في التعامل مع الغير، ويقبل لنفسه مرتبة الخضوع والخنوع . ومن هذه النماذج من لا يستطيع أخذ أي قرار دون مشورة زوجته ، كذلك فإن هناك زوجات من هذا النوع، وهن يعتمدن تماماً على أزواجهن فيكل ما يخصهن حتى شراء الملابس، وأدوات التجميل. الزوج الأناني ومن الشخصيات غير الناضجة أيضا، الشخصية الأنانية التي تفكر في نفسها فقط وما يعود عليها من الزواج من فوائد. الزوج المستهتر وهو الذي لا يعبأ بقدسية الزواج فيقيم علاقات خارج نطاق الزواج دون أن يعبأ بشعور زوجته . الزوج المتسلط وتسلط الرجل يعتبر عيباً عندما لا يكون إلا على زوجته، فيعوض الرجل مع امرأته إحساسه بالدونية والتبعية مع الآخرين، ومثل هذا الرجل يتساهل عجزاً مع القريب والبعيد ثم يتسلط على امرأته تعويضا ويتصور جهلاً أن امرأته لا تطوي قهرها بين جنباتها، وهي ترى عجزه مع الآخرين وتسلطه عليها .. وذلك الرجل هو الذي تكره امرأته معاشرته، كما قالت إحدى الزوجات: (أقضي يومي كله ألعن ذلك اليوم "الأغبر" الذي اقترنت فيه بهذا الزوج. الزوج الغبي والغباء أيضاً من السمات غير المطلوبة في الزوج، والغباء أشكال وأنواع، فهناك الغباء العقلي، أو الاجتماعي أو الغباء الثقافي، أو الإدراكي، والمرأة مخلوق يعرف تماماً قدر الذكاء الفطري الذي فطرت عليه لتكون على الصورة التي تؤهلها لحسن فهم الزوج، وإذا صادفت المرأة الذكية زوجا من هذا النوع الذي يتصف بالغباء، ولم يحاول تطوير نفسه، وأعيت الزوجة الحيل أمام غباء رجلها فإنها على الفور تمنحه كراهيتها راضية! الزوج الكذاب ممارسة الكذب على الزوجة تقوض دعائم الثقة بالزوج، وتزرع بذور الشك في كل ما بينهما حتى في الحقائق، وهنا يسقط الزوج في نظر زوجته إلى درجة الاحتقار. وهذه النماذج وغيرها تمثل كلها عدم النضج من جانب الأزواج.. فماذا يقول خبراء النفس؟ النضج الاجتماعي والنضج العاطفي يقول خبراء النفس: النضج الاجتماعي هو من مستلزمات الزواج الناجح، وكذلك النضج العاطفي الذي يرتبط به برباط وثيق، فالإنسان لا يكون ناضجاً من الناحية الاجتماعية إلا إذا كان ناضجاً عاطفياً، والزوج الذي من هذا النوع غير الناضج عاطفياً لا يكون مهيأ في الواقع لمواجهة متاعب الحياة اليومية، ولا يكون مدركاً لطبيعة العلاقات الاجتماعية قبل الزواج، وتكون الأسرة، ومن هنا فإنه يكون غير قادر على بذل الحب، والعطاء العاطفي، وتتمثل فيه صفات سلبية كثيرة كأن يكون متباهياً، أو متفاخراً بوضعه في الماضي قبل الزواج، وقد يبدو محباً للظهور ويميل إلى الاستعراض، وقد لا يفرق بين الجائز واللا معقول في علاقته بالآخرين، فيزل الكلفة بينه وبينهم من أول لقاء معهم. كما قد يأخذ صورة الشخصية ( الهيستيرية) المتقلبة المزاج والميول أو ملامح الشخصية ( السيكوباتية) التي تفتقد قوة الضمير، فلا يستطيع أن تطبق الأحكام الخلقية السائدة في المجتمع على سلوكه الشخصي، كما ينعدم عنده الإحساس بالذنب، ولا يهتم إلا بذاته ورغباته فقط، وغالباً ما يفقد السيطرة على نفسه، ولا يستفيد من تجارب سابقة من أجل المستقبل. كيف يمكن معالجة هذه العيوب؟ يقول خبراء النفس: يجب أن لا نحكم على الشخص غير الناضج بأنه يسلك سلوكاً طفولياً، فكم من أطفال يسلكون، ويتصرفون بمنتهى الحكمة والعقل، والصحة النفسية. وعلى أية حال فإن النضج النفسي والنضج العقلي يمتدان إلى بداية حياة الإنسان في الأسرة، ومن هنا فإن على الوالدين تقع مسؤولية كبيرة ومنها: أن تقوم علاقة الوالدين على أساس الفهم المتبادل، وأن يعاملا الأولاد والبنات دون تفرقة، وأن يبثا الحب الصادق بين كل أفراد الأسرة، وأن يدربا الصغار على تحمل المسؤولية، ومواجهة الصعاب، وحلها بالوسائل العقلية السليمة، فكل هذا يترك أثره الطيب على الصغار، من حيث النضج النفسي السليم، ولا شك أن لهذا النضج علامات مميزة تظهر في أنماط من السلوك أهمها الإحساس بحرية التصرف، واتخاذ القرار السليم والمناسب في الوقت المناسب، والقدرة على التكيف مع مختلف ظروف الحياة، وعدم اللجوء إلى محاكاة الآخرين، وإدراك الحقائق بسرعة، والانفتاح على الخبرات الجديدة، والقدرة على الحب بكل صور وأشكاله السليمة، وهكذا يمكن أن يتأهل الأبناء للوصول إلى النضج المطلوب لحياتهم الزوجية. دور الزوجة وعلى الزوجة التي ترتبط بزوج غير ناضج أن تدرك كيف تعامله بالطريقة المثلى، وذلك بأن تتفهم أولاً السبب الحقيقي وراء تصرفات زوجها، وأن تعالجها بحكمة وحنان، حتى لا تزيد من ارتباك شخصية زوجها، وحتى تستطيع أن تخلصه من عقده تدريجياً، دون أن يشعر، وفي هذا المجال فإن عليها أن تركز على عدة نقاط مهمة أشار إليها البحث المذكور ومنها: @ أشركي زوجك في حل مشكلات الأسرة حين يكون مرتاح الأعصاب، هادئ المزاج، لا يشغله شيء آخر، حتى لا يشعر بثقل المسؤولية، وعليك أن تساعديه في الحل بطريقة لبقة، يشعر معها أنه هو الذي يقوم بحل هذه المشاكل وحده، فهنا يشعر بكيانه، ويثق بنفسه، وبقدرته على تحمل مسؤوليات الأسرة. @ لا تندفعي وراء رغبتك في الانتقام من زوجك، أو معاملته بما يستحق إذا أخطأ في حقك حتى لا تتعقد الأمور، وتزداد سوءاً.. فإذا حاول إثارة غيرتك فعليك أن تفهميه بهدوء بأنك تحبينه، وأنك واثقة أنه لا يقصد إيذاءك إلا أن هذه التصرفات تخدش كبرياءك.. ومن شأن هذا التصرف من جانبك نحوه أن يجعله يثق بحبك، ويكف عن أخطائه الصغيرة. @ حدثيه بين الحين والآخر عن الصفات التي تحبها المرأة في رجلها، أهمها أن تعتمد عليه لأنها بكل تأكيد أضعف.. أن من شأن هذا القول أن يجعله يقدم على تحمل الجانب الأكبر من مسؤوليات الأسرة. @ يجب أن تنظر الزوجة إلى الحياة الزوجية بواقعية، والا تنساق وراء الخيالات ولا تتصرف على أنها مجرد أنثى، وإنما تستغل كافة قدراتها الذهنية والفكرية لتبدو في الصورة اللائقة بها وهي الصورة الإنسانية. @ يجب أيضا على الزوجة أن تغلب دائماً مصلحة الأسرة على مصلحتها الخاصة، وأن تعرف كيف تهنأ بحياتها الزوجية فلا تلجأ إلى الغيرة العمياء، ولا تندفع وراء العواطف الجامحة، التي قد تكون سبباً في إيذاء مشاعر زوجها، وإيجاد فجوة بينهما.