نجحت الدبلوماسية السعودية في تنويع علاقاتها شرقا وغربا، بامتياز ونسجت شراكات إستراتيجية وفق مصالحها وإعادة تموضعها في المنطقة والعالم. وإذا كان الحراك السعودي تميز في الغرب، فإن الشرق أيضا حظي بنفس الاهتمام، إذ تمكن الأمير الشاب محمد بن سلمان في إعادة ترتيب العلاقة مع روسيا كما حدث مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وحققت زيارات الأمير محمد بن سلمان في تجسير الفجوة مع روسيا والتركيز في القواسم المشتركة واتخاذ موقف موحد تجاه أسعار النفط للحد من تقلباتها، بما يخدم الاقتصادين الروسي والسعودي والاقتصادات المرتبطة بهما. والنقاش المستفيض في الملفات الشائكة، حتى أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أحد تصريحاته ل «بلومبيرغ»، أنه يعتبر الأمير محمد بن سلمان شريكا موثوقا يفي بتعهداته دائما ويعرف جيدا ما يريد تحقيقه ويعرف كيف يحقق أهدافه. نستعرض هذه المعطيات، التي هيأت للشراكة السعودية الروسية المتجددة على ضوء قرب زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا، التي تعد الأولى لملك سعودي منذ 90 عاما.. لقاء الملك سلمان مع الرئيس بوتين ليس الأول، إذ التقى الزعيمان على هامش قمة ال«20» الكبار في تركيا عام 2015، هذا اللقاء الذي أعطى زخما جديدا للعلاقات بين موسكووالرياض. الشراكة بين الرياضوموسكو متنوعة، أبرزها التعاون الإستراتيجي في أوبك والحفاظ على أسعار النفط، يعتبر الحفاظ على المستوى المعقول من أسعار الوقود أهم مصلحة تجمع بين البلدين، فضلا على حرص البلدين للوصول إلى تسوية حيال الأزمة السورية واليمنية ولجم الإرهاب ومنع التدخلات في الشؤون الداخلية للدول. زيارة الملك سلمان إلى روسيا تعتبر نتاجا طبيعيا للتطور المتوازن الذي تشهده العلاقات بين البلدين الطامحين لعلاقات إستراتيجية تتسم بالشراكة في شتى الميادين، لاسيما وأن التبادل التجاري بين موسكووالرياض قد حقق نموا غير مسبوق. وبحسب مصادر روسية رفيعة فإن الكرملين يعتبر زيارة الملك سلمان حدثا تاريخيا كبيرا، خصوصا أن هذه الزيارة هي الأولى لملك سعودي إلى روسيا، طال انتظارها وهي بالغة الأهمية في توقيتها لتطوير العلاقات بين موسكووالرياض، مشيرة إلى أن روسيا حريصة للدخول في شراكات إستراتيجية استثمارية طويلة الأمد في إطار «رؤية السعودية 2030»، وتسعى روسيا لأن تكون شريكاً في الخطط الطموحة البعيدة المدى للمملكة. ومن المتوقع أن يتم خلال الزيارة التي ستستغرق عدة أيام التوقيع على العديد من مذكرات التفاهم بين البلدين في المجالات النفطية والتجارية والاقتصادية وشراكات استثمارية بمليارات من الدولارات. وكانت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية كشفت أنها أرسلت إلى السعودية «خريطة طريق» لتنفيذ المشاريع المشتركة، بما فيها قطاع الطاقة، فضلا عن تطوير الإستراتيجية المشتركة، وأعدت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية مشروع (خريطة طريق)، وأرسلته للجانب السعودي من أجل تحديد عدد من المشاريع المشتركة الرئيسية. وحول الأزمة السورية أحرزت الرياضوموسكو تقدما في ما يتعلق بالملف السوري أفضى إلى تقارب وجهات النظر باعتمادهما اتفاقية جنيف كأساس للحل، وتعتبر موسكو أن الرياض يمكن أن تلعب دورا مهما جدا في إنشاء مناطق تخفيف التصعيد، ومما لا شك فيه أن تداعيات الملف القطري ستشكل أحد المواضيع الرئيسية في القمة الروسية - السعودية. ومنذ أكثر من عامين، يجري الجانبان حوارات حول قضايا الطاقة، ومنذ ذلك الحين بذلت جهود مشتركة لزيادة خفض إنتاج النفط من أجل المساعدة في رفع الأسعار. واليوم يقومون بتنسيق سياساتهم النفطية بفعالية. وستكون روسيا والسعودية قادرتين على إطلاق مشاريع مشتركة في صناعة البتروكيماويات، بما في ذلك في مجال الطاقة المتجددة وتكنولوجيات الغاز الطبيعي المسال، وسلّمت روسيا المملكة خلال سبعة أشهر من عام 2017 سلعا بقيمة 339.7 مليون دولار، كما بلغت الصادرات السعودية إلى روسيا 90.8 مليون دولار.