salkhashrami@ يستيقظ محررو الصفحات الثقافية في الصحف السعودية كمربي الحمام صباحاً، يشربون قهوتهم الساخنة، ويمضون إلى سطح صفحاتهم، يفكرون في حماماتهم القارئة، يحملون «حبوب الأدب» من غرفهم المتواضعة، ويصعدون الدرج وهم يتمتمون بمقطع من قصيدة محمود درويش «لا تَنْسَ قوتَ الحمام. وأنتَ تخوضُ حروبكَ» يأخذون من أوقاتهم وعقولهم وقلوبهم ليذروها في الريح، ويعودوا ليتكئوا على أضلاعهم. الحمام أنواع متعددة، فمنه من يحمل في مناقيره الورد، يحمله كقصيدة إلى الآخرين، إن رأته هذه الحمامة التي تسمى «الزاجل» تطلق صوتها، وترفرف من حوله، وتداعب يديه، بينما الجوع يستشري في معدة المربي، يأخذ بيده الحبوب، كي يلاعب طيوره، ويعتني بنظافة منزلها وأناقتها الشخصية، ويوفر لها كل ما تحتاجها، ويبقيها سفيرةً دائمةً للأحلام والجمال والرسائل. علاقته بالحمام، تقوم على الإشارات القلبية، قلبه نابض بها وبهمومها، لكن ثمة حمام يقفز حول نفسه بشكل دائري يصفه مربو الحمام ب«الحمام القلّاب»، لا يستطيع أن يقف على قدميه دقائق حتى ينقلب كل مرة بطريقة سريعة ومتكررة، إلى حد أن مربي الحمام يعجز عن تهدئته، وإطعامه. مربو الحمام يعلمون جيداً أن طيورهم التي تسكن أعالي منازلهم ستطير يوماً ماً، تاركةً بيوتها وأكواخها الصغيرة وذكراها دون أن تحمل ذكراه، وتمضي بعيداً في السماء، وستحط في بيوت أخرى، ومن ثمّة لن يتذكر أحد إلا الزاجل منها، ويتحدثون عن متاعبهم عن الحمام القلّاب وتقلباته السريعة.