عندما كتب غازي القصيبي رحمه الله ( ثورة في السنة النبوية) وجه الدعوة لدارسي العلوم الشرعية بالبحث في الإرث النبوي ودعاهم لتمحيص الأحاديث وأظهر شك في إخفاء أو تغييب بعض العبارات والآثار الهامة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فالقصيبي بعقله الراجح وفطنته المعروفة وفطرته الإيمانية لم يتقبل أن الإسلام دين قتل وتفجير وإرهاب وإقصاء وتكفير خصوصاً وإنه عاصر دعاة ماقبل الصحوة حيث صاحبتهم مسحة من فطرة ولم يكونوا قد تلوثت عقولهم بموجة فتاوي الفرقة والتباغض والدعوة بالعنف والإلتفاف على سماحة الإسلام وأخلاقه ومقاصده ،فلم يقبل وهو ذا الفكر المستنير الناشئ على أخوة الدين والتراب والمصير والتنوع والحرية الدينية لم يقبل فكر هؤلاء الخوارج وهذه النسخة المعدلة من الإسلام والتي صيغت وفق أهواء أرباب التطرف والفتنة، فكان رفضه لهذا الفكر الديني السياسي المحدث المبتدع ودعوته بالعودة لإصول الدين مدعاة لوصمه بالمروق والزندقة وأنه أخطر على الأمة من أعدائها وسيل من التهم الجاهزة للإلتصاق بكل من خالف سيل التطرف وأمواجه المتلاطمة التي لاتأبه لمركب الجميع ولا تراعي مصالحه، برأيي الأستاذ والباحث التاريخي حسن فرحان المالكي كان أكثر مما يتوقعه القصيبي من علماء الشريعة وكان تجسيد لحلم كل من أكتوى بنار الغلو والتطرف ،فخطابه الوطني وصوته العلمي الوسطي النابع من أصول الشريعة كان خير خطاب لتفكيك الغلو ونزع التطرف من جذوره، فمشروعه الفكري التنويري الذي أعاد للعقل دوره الشرعي وللتدبر والتفكر بعده الديني ووازن بين البحث العلمي والنص الإسلامي فكون خطاً فكرياً خاصاً مبني على أسس تحرير العقل وتمحيص المعلومة وتقديم القرآن وتنويع المصادر الشرعية المعتبرة وهذه الأسس تعلي شأن العقل وتحرر قيوده وهو مايلغي القبول بقوالب التفكير الجاهزة التي يعتمد عليها دعاة الإرهاب في تجنيد الشباب والتغرير بهم وإكتساب الأتباع. . لكن صوت التطرف العالي والمتغلغل في مفاصل الدولة أرعبه ذلك الضوء في نفقنا المظلم فحاول أن يخلق من حسن فرحان المالكي عدواً للديني والسياسي فحاربه وأقصاه وكفره فيما هو في حقيقة الأمر سلاح فعال للسياسي لو تم إبراز مالديه في حرب الإرهاب لكان لجنة مناصحة تضرب التطرف في معقله وتقتلع الغلو من جذوره وترفع الوعي بقيم القرآن وأخلاقه التي ذابت بين تكبيرات قاطعي الرؤوس وتنازع تمثيلها فرق تتقاذف الرؤوس ككرة قدم!! . لم يكن توغل الغلو مفاجئاً المفاجئ أن صوت التطرف العالي والمتغلغل في مفاصل الدولة جعل وزير الإعلام والذي كان من المفترض أن يكون الداعم الأول لحرية الرأي والتعبير جعله يسقط في وحل مصادرة الأراء وتكميم الأفواه وذلك بأن خاطب وزارة الداخلية لإيقاف محاضرة المالكي التي كان مقرراً إقامتها في نجران بدعوة من ملتقى نجران الثقافي وذلك بحجة أنه لم يستطع مجابهة إزعاج صوتهم العالي متناسياً ثقل أمانته وثمن الحرية والإيمان بالرأي الذي بات فيما بدا غير قادراً لا على حملها ولا على دفع الثمن!! كما أن ذاك الصوت العالي واصل ضغوطه حتى تم ترحيل المالكي من نجران في موقف يدعو للذهول والريبة من كل شئ حولك!! . أعتقد أن المالكي ليس من يمثل خطر وليس عدو في حرب مكافحة الإرهاب والتطرف بل داعم رئيسي وكان يجدر بنا دعمه ليصبح صوته أكثر وضوحاً وفاعلية بل إن من يجب أن يصمت هو ذلك الصوت المرتفع المزعج الممتلئ بالطائفية والغلو والذي لن يراعي وطننا إن إستمر في رعايته والتاريخ يشهد. . بقلم أ. صالح مصلح آل عباس خاص بصحيفة نجران نيوز الالكترونية