أكد عدد من العلماء والشرعيين على أهمية الحد من انتشار التشدد والفكر الإقصائي المتطرف، والحد من تغلله في عقول الناشئة، محددين آلية التعامل الفكري مع الإرهاب ومكافحته والقضاء عليه واجتثاثه من جذوره، وتفعيل دور مكافحة الإرهاب من خلال عمل مؤسسي مشترك؛ مثل المركز العالمي لمكافحة الإرهاب الذي تعتزم المملكة إنشاءه، مشيرا إلى أن «الأمن الفكري» يحفظ العقول من المؤثرات الفكرية والثقافية المنحرفة وحماية الأمن والمجتمع من الانحراف الفكري. جاء ذلك عقب كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمناسبة عيد الفطر، التي بين فيها خطورة الإرهاب والفكر المنحرف، وأنه أشد خطرا وأعمق فتكا على الأمة من حراب عدوها المتربص علنا بها، والوقوف وقفة حازمة مع النفس أولا لإصلاح شأن الأمة، داعيا إلى تفعيل المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، معلنا تبرع المملكة بمائة مليون دولار لدعم المركز. إلى ذلك، أكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي على أهمية تضافر وسائل الإعلام في التصدي للأفكار المنحرفة ومفاهيمها الخاطئة ومنطلقاتها الشاذة، داعيا إلى ميثاق يشارك في وضعه العلماء ورجال الإعلام يهدف إلى التعريف بأحكام الإسلام بعيدا عن الأهواء وتأصيل صلة الإنسان بربه وإحسان علاقته الناس والسعي في منفعتهم، مشيرا إلى أن التصدي لثقافة الغلو والانحراف والإرهاب من المسؤوليات الجماعية؛ لأن الشذوذ الفكري يؤدي إلى الخروج عن الجماعة وعصيان ولي الأمر. وأكد الدكتور التركي أن الخلل في فهم بعض النصوص الشرعية ومقاصدها مثل: الجهاد والولاء والبراء والأخذ بالفتاوى الشاذة المضللة من أهم أسباب ظهور فئات غالية في الدين عمدت إلى تفريق الأمة في دينها. وشدد الدكتور التركي على أهمية إظهار رسالة الإسلام التي هي أمن وسلام وتواصل وتعاون بين الناس على البر والتقوى وبعد عن الظلم والعدوان، وإبراز أن رسالة الإسلام توجب العدل بين الناس والإحسان إليهم وتمنع البغي عليهم، وتعريف الأجيال المسلمة بمبادئ اليسر والتسامح في الإسلام، وتحذيرهم من خطر الانحراف عنها. نشر الوعي ويؤكد أستاذ الفقه في قسم الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور صالح بن غانم السدلان أن المعالجات التأصيلية لقضايا المنهج القويم في الاعتقاد والفكر والفقه والآداب والسلوك لم تعد نوافل الجهود أو هوامش الاهتمامات، بل أضحت مطلبا ضروريا ملحا، وحاجة مصيرية لازمة لتوجيه المسيرة وتقويم الانحراف عن النهج المستقيم. ولتحقيق التحصين الثقافي ضد الغزو الفكر، طالب الدكتور السدلان بوجوب الاهتمام ببناء الفرد المسلم على أسس عقدية إيمانية، ونشر الوعي الديني والثقافة الشرعية، مطالبا العلماء ببذل الجهد لترشيد مسيرة المسلم بتحصينه بالفكر الإسلامي الصحيح وحمايته من الأفكار الهدامة وتأصيل معاني الخير في نفسه ليكون عنصرا بناء لا تخريب ولا تدمير ولا غلو. دين الوسطية وبين الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المصلح أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية، والذي قال الله تعالى فيه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، وأن شعار هذا الدين هو الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين)، ويقول تعالى: (يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، مشيرا إلى أن هذه النصوص وغيرها في كتاب الله وأحاديث المصطفى صلى لله عليه وسلم تدل على الاعتدال والوسطية، ولا بد للمسلمين من أن يتمسكوا ويعملوا بها لأن الدين الإسلامي دين الوسطية ودين الرحمة ودين الاعتدال. حفظ العقول من جانبه، دعا المستشار في الديوان الملكي وإمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إلى نظرة شمولية لمواجهة مشاكل التطرف والغلو والإرهاب، مشيرا إلى أن البون واسع بين الرؤية الشمولية وبين اعتماد حلول عاجلة التي هي أشبه بالمسكنات الآنية التي ستضاعف ظاهرة الإرهاب وتزيد من شراستها وتغلغلها. وتطرق الدكتور ابن حميد إلى الأمن الفكري، مشيرا إلى أن مفهومه يتمثل في حفظ العقول من المؤثرات الفكرية والثقافية المنحرفة، وحماية الأمن والمجتمع من الانحراف السلوكي والخلقي، والوقوف أمام من يريد زعزعة ثوابت الدين والعبث بمقدرات الوطن وقيمه الفاضلة وعاداته الإسلامية، حيث يشمل كافة جوانب الإصلاح الاجتماعي والخلقي والتربوي. وأكد الدكتور ابن حميد أن الحاجة إلى الأمن حاجة نفسية جوهرها السعي المستمر للمحافظة على الظروف التي تضمن إشباع الحاجات البيولوجية «الحيوية» والسيكولوجية «النفسية». رسالة نبوية وأوضح أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة المقارنة بجامعة الملك عبدالعزيز عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور حسن محمد سفر أن مبادئ وقواعد الدين الإسلامي، سواء للمجتمع أو العالم، قائمة على قوله سبحانه وتعالى: (وجعلناكم أمة وسطا)، وعلى قوله تعالى: (وقولوا للناس حسنا)، فالواجب على العلماء وخصوصا علماء الشريعة السير على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الرعية والمسلمين الذين رباهم على منهج الوسطية، وفي هذا تآزر بين القيادة وعلماء الدين في توجيه المجتمع وإيصال الرسالة النبوية في حسن التعامل البعيدة عن الغلو والتطرف والتشدد، بل تكون انفتاحا والوصول إلى تلاحم المجتمع.