عن دار جداول للنشر بلبنان أصدرت القاصة النجرانية إيمان هادي مجموعتها القصصية في سوق الجنابي في طبعتها الأولى للعام 2012م في مئة واثنين وثمانين صفحة، مشتملة على عشرين قصة منها ما يحمل اسم المجموعة (في سوق الجنابي) إضافة إلى عناوين أخر مثل (حزن أحمر "شاورما" قطة مونودرامية وغيرها...) والمجموعة القصصية جاءت منجزًا إبداعياً ثانياً لدى القاصة بعد أن أصدرت أول رواية نسائية من نجران بعنوان (سماء ثامنة تلفظني) وحظيت بحضور كبير ووعي أكبر تجلى لنا من خلال الحوار الذي أجراه الصديق طامي السميري مع الروائية هنا عبر هذا الملحق قبل حوالي عامين ونصف، وخرجت لنا من خلاله القاصة واثقة في خطواتها مدركة لما ينبغي أن تكون عليه الكتابة الروائية، وفي سوق الجنابي جمعت القاصة من خلال حكاياتها فيه وبه ومعه الجغرافيا بالتاريخ، واللغة بالرؤيا، والذات بما يتوالد فيها جرّاء استعراض المدى الكتابي على صورة ذكرى واستشرافٍ معا، فضلا عن قدرتها على صياغة اللحظة السردية بلغة تمتد عبر المسافة الواقعة بين الحوار العفوي مع الآخر وانعكاسه في الذات المتطوّرة على مستوى اللغة والرؤيا معا.. هكذا مثلا: (تعب مشوار قطعته "كي تشقى على الجهّال" وأنا أدرك تماما أن ثمة حزن يحتاج حزنًا آخر ليحرر قيده... ص55 ) فعبارة (تشقى على الجهّال) عبارة مستدعاة من الآخر ومختزلة في الذات لتتوالد منها وبها الرؤى الراكدة فيها... والحقيقة أن من أكثر الأعمال القصصية حضورا لدى المتلقّي تلك الأعمال التي تحمل على عاتقها ثقافة المكان والتفاتة العصر إليه وقدرة اللحظة فيه على أن تنسج خيوطها السردية لتستدعي التاريخ والأحداث والشخوص عبر لغة قادرة على أن تشكّل رحِما تتخلّق من خلاله الأحداث بسلاسة وعذوبة، وهي إحدى ملامح المجموعة القصصية وأعني بها اللغة الشعرية القادرة على توليد الحدث القصصي والتهويم فيه، وهو ما يفسّر لنا أحيانا الطول النسبي للقصص والتي تكشف من خلالها القاصة قدراتها الروائية المحتفلة دائما بالتفاصيل الصغيرة ولولا هذه اللغة الشعرية وجمالياتها المدهشة لما استطاعت القاصة تمرير كثير من الأحداث الفرعية الهامشية إلينا... بقي أن أشير في هذه الإطلالة التي لا تعتني بالقراءة النوعية للمجموعة حينما اختصّ بها من هم أكفأ مني، إلى أن حضور الروائية والقاصة (إيمان هادي) من خلال إصداريها (رواية: سماء ثامنة تلفظني، أو مجموعة: في سوق الجنابي) جاء حضورا مختلفا عن كثير من مبدعينا الشبان الذين استعجلوا الضوء دائما واستسهلوا النشر والحضور الإبداعي في ظل انتشار وسائل الاتصال وقدرتهم على جمع قرّاء يجيدون مجاملتهم والاحتفاء بهم، إذ جاء حضورها ناضجاً ومبشّراً بصدق بمبدعة نوعيّة تنتظر منها الساحة دائما ما يبشّر بمستقبل مشرق لإبداعنا المحلي. ابراهيم الوافي الرياض