بعنوانٍ سردي رؤيوي مفتوح يعكس حالة من التعاطي الحر للكتابة تستهل المبدعة رذاذ اليحيى رحلتها مع الطباعة بإصدار قصصي أنيق وسمته ب (بعيدًا إلى السماء أقرب)، وكشفت فيه عن قدراتٍ كتابية خاصة ومتطوّرة على مستوى البناء واللغة وانعكاس المقروء في الذات المبدعة من جهة، وعن تواصل الحضور (غير المنتمي للتصنيف الجنسي للكتابة) من جهة أخرى، حين جاء الإصدار مشابهًا لإصدارات عديدة، جاءت كلها من إفرازات الحضور الالكتروني، الذي تميز دائما بحرية الرؤيا، على مستوياتٍ متعددة ليس أولها تمييع الجنس الأدبي، وليس آخرها استخدام الوسائط اللغوية كبديل للوسائط الممكنة في النشر الالكتروني، ما يؤدي غالبا إلى حالات من الإسهاب والتهويم في مدارات الرؤيا بحشد كثيف من الوسائط الدالّة والمكوّنة للتركيب البلاغي في النصوص... وإذا كان العنوان دائما عتبة النص فإن في عنوان المجموعة (الإبداعية) - لرذاذ اليحيى ما يشي بهذه الرؤيا حيث المدار الفضائي الذي تتخلّق فيها المواقف القصصية المتوالدة والمكتظة بالتفاصيل حد التخمة أحيانا، والتي جاءت دائما أكبر من القَصّ، وأقرب إلى البحث عن أفق مفتوح للبوح عن طريق الحكاية.. وهذا ما جعل الحكايا غالبا تقول ما تنويه القاصة لا ما تفترضه الحكاية من انشغالٍ نابهٍ بالحبل السردي، يتجاوز الاهتمام بالتفصيلات التي تحشدها القاصة بصورة كثيفة جدا، ما يؤمّن على ما أشرتُ إليه من أن القاصة ترغب دائما في أن تحمّل الحكاية ذاتها، لا أن تسردها فقط.. وهو ملمحٌ هام جدا في المجموعة، يفسّر لنا حالات الإسهاب الطويلة التي اشتملت عليها النصوص العشر فيها... والقاصة رذاذ أدركت من خلال المجموعة أهمية الالتقاطات الشعرية في السرد التفصيلي واستطاعت في أحايين كثيرة إدهاشنا بزوايا رؤيوية مثيرة.. منها على سبيل المثال ما ورد في نصها الأول (أنثى الميزان) ص7 قولها: (... أمي التي كانت تُصلي في غرفتها تحت ضوءٍ خافت، وتسبيحها الذي لا يصلني منه سوى حرف السين، هذا الحرف الذي أعاد ترميمي...) أو ما ورد في نصها (انبثقت من كبد السماء) ص 50 (... أعطني مزيدًا منك، كي أقتص من الرحيل ذات مغيبٍ ناعس على رفات الشمس...). وإذا كانت المجموعة القصصية للقاصة رذاذ اليحيى قد حملت في جوانبها تجربة تخلّقت في رحم الشبكة الالكترونية، وتكوّنت في طبيعتها وإمكاناتها المرئية والسمعية، فإنها حين قدمتها لنا على طبق من ورق اجتهدت كثيرا في تعويض كل ذلك بالإسهاب التفصيلي المتوثب للبوح دائما حتى فوق ما تحتمله الحكاية... المجموعة صدرت عن الدار الوطنية الجديدة، في أول العام الحالي 2010م وجاءت بعشر نصوص قصصية احتاجت لخمسٍ وتسعين صفحة من القطع المتوسط وبغلاف أنيق جدا قامت القاصة ذاتها بتصميمه وتحقيق رؤيا المجموعة فيه..