قابل عدد من العلماء والقانونيين ظاهرة «المبالغة في الديات» في بعض مناطق المملكة بالرفض الشديد بعد تحولها أحيانا إلى «تجارة رابحة» تجلب ملايين الريالات لبعض المتخاصمين وأطراف عملية الصلح في قضايا القتل، حيث يقوم بعض الوسطاء بمحاولة إقناع ذوي الدم برفع الدية أضعاف قيمتها الشرعية، ثم طلب ملايين الريالات من أهل القاتل وابتزازهم بتنفيذ حكم القضاء على وجه السرعة فيما لاتبدأ عملية « الابتزاز « إلا في» التوقيت القاتل»، وبعد اكتساب حكم القصاص الدرجة القطعية، ومن ثم تبدأ المساومة وبعدها يتم نصب الخيام وتجميع الوجهاء والشعراء والفضائيات لرصد الحدث. وقال رئيس المحكمة العامة بمحافظة جدة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحسيني بحسب صحيفة المدينة : «ما نراه اليوم من تهالك على واسطات الصلح لإسقاط القصاص ويسمونها ديات وإعتاق رقاب، وهي ليست بديات، إذ الديات لها مدلولها الشرعي ومقدارها المحدد وإنما هؤلاء يعزفون على «وتر الابتزاز» برفع سقف مطالبهم مقابل إسقاط الدم ونسمع مبالغات كبيرة ومزعجة ومشوهة للمجتمع. وأضاف بأن الشرع الكريم أكد على الحد من هذه المبالغات ووضع ضوابط لمثل هذه المصالحات وقال: «للأسف هناك مبالغ تقدم لهؤلاء المتوسطين وعمولات تدفع مقابل إقناع ذوي الدم أو مقابل رفع سقف المطالبة لهم كما أن هناك بعضًا من طلبة العلم ممن سار في هذا الاتجاه، وهو المصالحة المالية بأضعاف أضعاف الدية المقررة شرعًا وهو ما كرس التوسع الحاصل في هذه المسائل وزاد من مبالغها، بل إن في بعض القضايا يقوم ذوو الدم بالابتزاز، وذلك بضرب ملايين الريالات لذوي القاتل وابتزازهم بالتنفيذ، حيث لا يبدأ ابتزازهم إلا بعد اكتساب حكم القصاص القطعية، ومن ثم تبدأ المساومة وبعدها يبدأ نصب الخيام وتجميع الوجهاء والشعراء والقنوات، وهذا شيء محزن خصوصًا من ليس له وجاهة ولا مال. من جهته أوضح الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية برابطة العالم الإسلامية الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المصلح أن الشريعة الإسلامية الغراء جاءت لحفظ مصالح العباد في الحال والمآل وبنت أحكامها على العلل الجالبة للمصالح، وكان من أسمى أهدافها جلب المصالح ودرء المفاسد في كل الأمور. وأشار إلى أن المملكة ارتكزت في كل تشريعاتها وأنظمتها على الشريعة الإسلامية السامية وعملت بمختلف مؤسساتها القضائية وأجهزتها التنفيذية على إقامة شرع الله وتحكيم أوامره وتنفيذ شرعه، لافتًا إلى أنه مع انتشار ظاهرة المطالبة بمبالغ باهظة لقاء التنازل عن القصاص مع العلم أن لعتق الرقبة لوجه الله تعالى فضل كبير لما له من زرع الألفة وإيجاد التراحم بين صفوف المجتمع. ودعا رجال الدعوة أن يوضحوا هذه القضية وسلبياتها وترك المبالغة في احتساب الديات نظير التنازل عن دم المقتول والأموال الطائلة التي يتكبدها الجاني نظير التنازل وبذلك تسود المحبة والوئام وتتلاشى رواسب الحقد. والى ذلك يرى المحامي والمستشار القانوني علاء بن محمد الغامدي، أن المبالغة في طلب تعويض الديات يعد بمثابة إلغاء لمقاصد هذه العقوبة وتحويلها لتجارة مقيتة تدخل في باب النهي، وما لوحظ في الآونة الأخيرة من فوضى وسوء تعاطي في قضايا الديات مؤشر سلبي يخالف مقاصد الشريعة ويجافي مبدأ العفو والتسامح، الذي من أجله شرعت الدية. وأضاف بأن المبالغة في مطالبة الدية أصبحت ظاهرة منتشرة، وأنه يحق لولي الأمر التدخل في الحد من تلك الظاهرة في المغالاة في الديات، والتي قد تكون هناك مشقة على البعض من جمع تلك الأموال استنادًا للقاعدة الفقهية «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح». وأضاف: «للأسف أصبحت المبالغ الطائلة، التي تدفع لأولياء الدم تجارة يتكسب منها أطراف عدة من جراء السعي والتوسط والتدخل لقبول الدية».