انتشرت في مجتمعنا ظاهرة غريبة لم تكن مألوفة من قبل ، ظاهرة أساءت لديننا ووطننا ومجتمعنا والسبب في ذلك أناس دخل الطمع قلوبهم ، وسيطر حب المال على عقولهم حتى روجوا لما يسمى ب(تجارة الدم) ، وذلك بطلبهم عشرات الملايين مقابل التنازل عن القصاص ، مما يعد أمرا تعجيزياً مخالفا للعقل والمنطق ، وهذه الأمور لا يقرها الدين الإسلامي ولم تكن معروفة في العرف القبلي منذ عقود خلت ، علماً أنه قد تم إصدار الأمر الملكي بتحديد الديات حسب ما يراه القضاء ويتناسب مع الوضع الحالي ، ولكن هؤلاء المتاجرين بالدم لم يقفوا عند ما حددته لهم الشريعة ، بل تجاوزوا كل الخطوط متجهين بالمجتمع نحو كارثة اجتماعية .. ولأهمية الأمر نناقش وإياكم هذه الظاهرة من خلال صفحة الحدث. إذلال وإرهاق يرى صالح الشمري أن التنازل لا يكون لوجه الله إذا خالطته تلك المبالغ العالية من الملايين والعافي عن القصاص له أجر عند الله سبحانه فهو القائل (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) .. يقول الشمري : الغالب ان طلب أهل الدم لملايين الريالات ليس من أجل الحاجة وإنما لأجل التعجيز ورد الوسطاء من الشفاعة للقاتل العفو عن القصاص من أنبل وأفضل القربات إلى الله لأنه إعطاء الفرصة لنفس في مراجعة حساباتها وتجديد التوبة ، ولكن الحاصل الآن لهو شيء يندى له الجبين عندما نسمع بمن يثقل أهل الجاني بتحمل مبالغ كبيرة ، حتى وصلت المطالبات إلى أرقام فلكية، وتحولت إلى صفقات تجارية، ومن هنا يجب وقف مدها حتى لا تتفشى في المجتمع. ويضيف الشمري : استبشرنا خيرا بصدور الأمر السامي بهذا الشأن ، ولكن لم نر أحداً التزم بهذا الأمر الكريم الذي حدد الديات ب300 ألف ريال لقتل الخطأ و 400 ألف لقتل العمد ، فالواجب أن تكون هناك جهة رقابية تشرف على تطبيق الأحكام الشرعية والحد من تجاوز ما أنزل الله به بشأن تلك القضايا . وزاد الشمري قائلاً : المبالغة في طلب الديات تؤدي إلى إذلال وإرهاق ذوي الجاني وهو أمر مناف للشريعة الإسلامية التي كفلت كرامة الإنسان، وعلى أولياء الدم أن يطلبوا الدية المتعارف عليها، وإن كان العفو لوجه الله وطلب الآخرة هو العمل العظيم عنده أفضل وأسلم. شروط تعجيزية في الغالب ان طلب أهل الدم لملايين الريالات ليس من أجل الحاجة وإنما لأجل التعجيز ورد الوسطاء من الشفاعة للقاتل ، هكذا فسر عبدالله الدخيل سبب انتشار هذه الظاهرة حيث قال : الغالب أن طلب أهل الدم لملايين الريالات ليس من أجل الحاجة وإنما لأجل التعجيز ورد الوسطاء من الشفاعة للقاتل، ولا شك أن هذا المسلك خاطئ ، لذلك لابد لولي الأمر في التدخل للحد من المغالاة في الديات ، خصوصا أن القاعدة الشرعية تنص على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، والناظر فيما يجري الآن يجد أن هناك مفاسد عظيمة تسببت بها تلك الديات المليونية . نار الفتنة يتساءل المواطن ماهر عسيري ويقول : أين المروءة والشهامة التي يتفاخر بها هؤلاء وهم يبيعون جثث أبنائهم بمقابلٍ مادي ، بل أين القوانين والجهات الرسمية عنهم ؟ ، فالناظر في ما يدور في الساحة من تزايد ملحوظ في أعداد المبالغين في الديات يقر بأن هناك خللا كبيرا في فهم الكثير لمفاهيم القرآن الكريم والسنة المطهرة وتجاهل مبدأ الرحمة والعفو . ويرى العسيري أن المبالغة في طلب الدية حولت الصورة المشروعة التي يراد منها تخفيف مصاب أولياء المجني عليه ، وتعويضهم عن فقد عائلهم ، وشفاء ما في نفوسهم إلى متاجرة وإذلال ومزايدة ومعاندة ، وقال : المطالب التعجيزية أذكت نار الفتنة ، وولدت الكراهية ، وأضرت بالجاني وأوليائه ، وألحقت النقص ليس على مستوى الفرد ، وإنما على القبيلة أو الجماعة حتى في قوتهم وأرزاقهم . إعاقة لعمل الإصلاح وفي السياق نفسه ذكر الدكتور نايف الظفيري المحامي والمستشار بديوان المظالم سابقًا أن من أشد المفارقات التي تمر علينا يوميا ونطالعها في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية وتعد ظاهرة سيئة هي المبالغة في مبلغ العفو عن الدية من قبل ولي الدم أو ورثته وهذه الظاهرة تشكل عبئا على أولياء أمور المحكومين وقبيلته وجماعته ، وديننا أمر بالعفو ونهى عن أن تكلف النفس فوق طاقتها . وشدد الظفيري على أن هذه المبالغة تسبب إعاقة لجميع جهات الإصلاح عن عملها . كما ذكر الظفيري أن هذا الأمر اخرج الدية عن مقصدها وغايتها التي شرعت من اجلها وذكر أن العفو عن القاتل مقصد مطلوب وأجر ولي الدم عظيم لو كان لوجه الله (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وذكر الظفيري أن العفو من شيم الرجال ولا يحق لولي الدم المطالبة بمبالغ تعجيزية وشدد أيضاً على أن يكون هناك تدخل من المسؤولين بهذا الخصوص للحد من تلك الظاهرة الخطيرة صحيح أن القاتل أخطأ بحقهم واقترف جرماً كبيراً لكن من تاب تاب الله عليه فالله يعفو ويصفح والمخلوق يتلاعب في أعصاب الناس كيفما شاء وفي الختام أقترح الظفيري على صناع القرار من أهل العلم والقضاة والأمراء والمسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية دراسة هذه الظاهرة الخطيرة ووضع مبلغ معقول يرضي جميع الأطراف أما المبالغ الخيالية التي يطلبها أهل الدم من المفترض ألاّ يؤخذ بها في الصلح. السماسرة ومن جانبه بين سعادة العميد عبدالرحمن الرويسان مدير عام سجون المنطقة الشرقية وعضو لجنة إصلاح ذات البين أن اللجنة واجهت العديد من حالات المساومة والمتاجرة بدماء الأموات من قِبل أهل الدم أو من السماسرة الذين يسعون لغرض المبلغ المادي مقابل شفاعتهم ويشترطون جزءا من (الكعكة) ، وكثير من القضايا التي فيها مبالغة في قيمة الدية تجد أن من يقف وراء ارتفاع سقف المبلغ هم السماسرة ، وللأسف مثل هذه النوعيات من البشر هي من تسيء لمجتمعنا ، ويضيف الرويسان : هناك العديد من السجناء مطالبون بديات فلكية لا يمكن لهم أو لذويهم أن يجمعوا جزءا منها ، كما أنه يوجد لدينا عدد من ملفات قضايا القتل التي نسعى للحصول على تنازل وعفو بشأنها من قبل أولياء الدم علماً أن جهود أمير المنطقة الشرقية كان لها دور كبير وملموس في ذلك الشأن . تجارة الأموت ومن جهته استهجن الدكتور صالح الخثلان نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والمتحدث الإعلامي هذه الظاهرة التي سماها بالاسترزاق حيث قال : ان هذه الظاهرة غريبة على مجتمعنا الذي يستمد ثقافته من القرآن والسنة ، فالإسلام يحث على مبدأ العفو والصفح والمخاطبة بلغة التسامح ، ولكن هذه الظاهرة التي انتشرت في الوقت الحالي أساءت لديننا ولمجتمعنا حتى أنها أساءت أيضاً للميت ولأهل الدم أنفسهم لذلك يجب أن يعاد النظر في مثل هذه التجاوزات التي أخذت منحى خطيرًا حتى أصبح هناك من يتاجر بالأموات ويساوم على العتق كما أن هذه الظاهرة فتحت بابًا للاسترزاق من قِبل أهل الدم والسماسرة الذين يقحمون أنفسهم في مثل هذه القضايا لغرض أخذ المال مقابل السعي في الصلح بين أهل الجاني وأهل المجني عليه . وأضاف الخثلان : هذا الصلح إنما هو تجارة ولا يمكن أن يقارن بالإنسان ، فليس من المعقول أن تصل الديات إلى هذه الأرقام المبالغ فيها والتي وصلت لعشرات الملايين ، ومن المؤسف حقاً أن تجد أيضًا من يشترط أنواعا معينة من السيارات وهذه الطرق للأسف تجارة واسترزاق . ونوه الخثلان الى أهمية توعية المجتمع من تفشي هذه الظاهرة والوقوف صفًا واحداً للتصدي لهذه العقول المادية ونشر مبدأ العفو والتسامح من خلال تكثيف البرامج والخطب وعبر الإعلام بأنواعه المختلفة ، وأن العفو عن القصاص له منزلة عظيمة عند الله وأجر عظيم ، ووصف مغالاة ولي المقتول في الدية بالتعجيزية ومتاجرة خاسرة بدماء الناس وعسيرة على ذوي القاتل . وشدد الخثلان على أنه لابد من تدخل سريع وعاجل من الجهات صاحبة الشأن والاختصاص للقضاء على هذه الظاهرة المشوهة للبلد وأبنائه باتخاذ إجراءات شديدة وصارمة لكل من تسول له نفسه المتاجرة في دماء الأموات . وقال أيضًا : يفترض من الجهات المسؤولة ألا تترك الأمر هكذا ، ويجب التوجيه من وزارة الداخلية بمعاقبة المتجاوزين على الأمر السامي الذي حدد مبالغ الديات بنسب معقولة ومدروسة ، كما انه يفترض من القضاء التدخل في جميع قضايا الديات لإعطائها البعد الشرعي وأن تلتزم بضوابط غير قابلة للتمويه والتحريف .