معرض الكتاب محطة مهمة في أي عاصمة عربية أعود محملا منها بأجمل الكتب, وكثيرة هي المرات التي أكتب عنها أو بعضها, وأعترف دائما بأنني لست ناقدا ولا أمتلك من أدوات النقد ما يؤهلني له, غير أنني قارئ أسجل انطباعاتي الآنية عن أي كتاب إبداعي قرأته وتفاعلت معه, وقد تأتي مصادفة أن أكتب عن آخر الكتب التي قرأتها, وقد أنتقي كتابا ما, لأكتب عنه دون أن أعدد الأسباب التي دعتني للكتابة سوى توثيق ما اختلج في النفس واعتلج في الصدر. في زيارتي الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب قابلت الصديق الشاعر (إبراهيم الجريفاني) في مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو) والتقينا معا في برنامج (حدوته مصرية) على قناة النيل الثقافية, وسبق وأن كتبت عنها في حلقات (ليالي القاهرة) التي نُشرتْ على حلقات في هذه الصحيفة, وتشرفت بإهدائه الجميل وتوقيعه الأنيق على آخر إصداراته الأدبية وهو مجموعة شعرية بعنوان (امرأةّ لعّةٌ) وسألته في الحال ما معنى لعّة؟ بفتح اللام وتشديد العين المفتوحة, فأجاب بأنها الجميلة العفيفة, وبعد بحثي عنها أكدت معاجم اللغة هذا المعنى. لا يختلف اثنان على أن (الجريفاني) يأسرك بجمال روحه, وكرم أخلاقه, وتواضعه الجم, وإنسانيته المتجلية في تعامله مع الآخرين, وتشي بذلك لغته في حديثه وحروفه في كتاباته, ولا نختلف على أنه ممسوس بالشعر, غزير النتاج الأدبي فقد بلغت مجموعاته الشعرية عشر مجموعات تمثل إضافة جميلة للمكتبة العربية ترجمت منها ثلاث مجموعات إلى لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية والروسية والاسبانية والتركية. مجموعته الأخيرة (امرأة لعّة ) ذات الغلاف الأنثوي الذي يحمل الألوان الأنثوية المحببة عند النساء كاللون البنفسجي أو (الموف), وصورة الغلاف المعبرة عن الأنثى بكل جلالها وجمالها, والورق الداخلي الجميل في ألوانه وإخراجه المجموعة بكلها مهداة إلى زوجته التي آمنت به وبشاعريته وتحملت مغامراته الفكرية والنسوة في قصائده, فكانت ملهمته الأولى, وقصيدته التي يحتفي بها في كل نص أنثوي. تقع المجموعة في مائتين وثمانية وأربعين صفحة من القطع المتوسط, مقسمة إلى ثلاثة أقسام (شعر - رؤية نقدية - إرث أثر), الشعر وتجاوزت قصائده مائة قصيدة تتراوح بين صفحة وصفحتين وأطول النصوص لم يزد عن ثلاث صفحات, والرؤية النقدية قراءة للناقد اللبناني لويس الحايك, و(إرث أثر) كتابات قديمة لعدد من الأصدقاء والأدباء والمفكرين والإعلاميين اللذين جمعهم الحرف والفكر والحب, والمجموعة صادرة عن دار الرّمك للنشر. (الجريفاني) شاعر مرهف الإحساس, عميق العبارة, يترك أثره الإنساني عند المتلقي الذي يقرأه بعمق, فهو شاعر يحمل هموم وطنه وقضايا أمته الثقافية والاجتماعية والسياسية, ويجسدها على الورق بأسلوبه الخاص, فتعبر عما يجيش في داخله, ويرسم حروفه بعناية فائقة ليضمن وصول رسالته من خلال قصائده التي تتوغل في الذات الإنسانية المسكونة بحب الحياة, وتشعرك بأن الشعر وحده قادر على التعبير عنا وعن كل قضايانا بلغة سهلة بسيطة غير متقعرة, ولا متكلفة, ولغة شاعرية جميلة تحمل كل مشاريعنا الفكرية والثقافية إلى الآفاق. بعض التناقضات تنتزع من القارئ اعترافا بشاعريته العميقة التي يكتب بها خلجات نفسه بعيدا عن المغالاة والتعقيد, صادقا في انفعالاته, ثائرا في بعض حالاته على السائد والمألوف, فهو شاعر رومانسي يعتنق المذهب الرمزي في قصائده الشعرية التي تدور حول المرأة بكل حالاتها الاجتماعية, ويمتلك طاقة إبداعية ضخمة, ذات عطاء باذخ, ورؤية ثاقبة لرسالته الشعرية المعبرة عن المرأة بعمق وحب وسمو, يغدق عليها من حنانه, ويعزفها قصيدة غنائية على أوتار قلبه, فينبت الإبداع وتزهر الكلمات, وتسمو الأفكار والرؤى في قوالب إبداعية لا يشبهها سوى شاعرها إبراهيم الجريفاني.