خيّل إليَّ، كأنهما يودعان أحدهما الآخر. تلبثا، منذ حين، أمام منخفض السكة الحديدية، منتطرين وصول القطار ومنتظرين أن ينتهي لقاؤهما. كنتُ أقف على مبعدة منهما، غير منتظر أحداً وغير واجدٍ من أودعه. كانت المرأة في أواخر الثلاثينات من عمرها وجاوز هو (...)
في الحقيقة، لم اضغط على زر الجرس أول الأمر، بل جرّبت، بشكل طبيعي، ان أفتح الباب بمفتاحي الخاص، فاستعصى عليّ لغير سبب مفهوم.
لبثت لحظة أتأمل، فقد وجدت نفسي مضطرباً بعض الشيء، تحيط ذهني غمامة قاتمة. هذا بالتأكيد باب شقتنا، في الحي الخامس من المنطقة (...)
تحت الشجرة العالية التي تنتفش بالأوراق الخضر الكثيفة خلال الربيع، كان لي مجلس تحت أغصانها طالت مدته. كنتُ أجلس يومياً على حافة السياج الواطئ، أتأمل في لا شيء. سألتني يوماً وهي في طريقها الى مدرستها، متزينة متأنقة:
- أنتَ... من أنت؟ إبن حارس (...)
الشخصيات: 1 - هو. 2 - الرجل المربوط.
غرفة يسودها ظلام غير كثيف، تُرى من خلاله جدران عارية. نافذة صغيرة في الأعلى على اليمين، هي مصدر النور الشاحب الذي ينير المكان. يبدو، بغموض، أحد الأشخاص جالساً على كرسي مركون في زاوية. لا حركة ولا صوت، سوى هدير (...)
الشخصيات : 1 - المتهمة. 2 - المحامي.
3 - شرطيان.
الزمان: الوقت الحاضر.
المنظر: غرفة كبيرة ملحقة بالموقف حيث يُسجن المتهمون. تُضاء أنوار ساطعة.
يفتح شرطي باب الحديد على اليسار ويدخل وبرفقته مدني يحمل حقيبة سوداء. الشرطي مدجج بالسلاح. يشير الى أحد (...)
التقيت بدر شاكر السياب خلال سنوات الخمسين من القرن العشرين، حين كان يقيم في بغداد ويشتغل، في شكل متقطع، في مديرية الاستيراد كما اتذكر. وفي جلسات حميمية عدة معه ومع عبدالملك نوري وغائب طعمة فرمان وأحياناً عبدالوهاب البياتي، كانت الاحاديث تجرنا الى (...)
مهداة الى الصديق ربيع جابر
تساءلت مع نفسي قبل ايام... لِمَ اكتب مستحضراً صوراً وذكريات مضى زمانها وانقضى؟ أبسبب انها لن تعود؟ ام تدفعني لهذا الاستحضار، تلك الفكرة العجيبة عن العود الابدي ولكن في شكل مضاد لها؟ فلأنني لن اعي عودتي الابدية، كما يقال، (...)
الزمان: ضحى مشمس. الوقت الحاضر.
المكان: مائدة تحيطها بعض الكراسي، قريبة من الواجهة الزجاجية الأمامية لمقهى في مدينة كبيرة. زجاج مصقول ونظيف يفصل المقهى عن الشارع.
السيد العجوز يجلس الى المائدة وحيداً، يرشف بهدوء من فنجان قهوة امامه. انه في ملابس (...)
كان ضحى يوم عطلة والشمس تملأ سماء بغداد الزرقاء وتنشر أشعتها على أشجار حديقتنا فتعكس تنويعات متدرجة من اللون الأخضر والأصفر والأحمر. كنت في الصالة، جالساً أتملى هذا المنظر، حين سمعت إبني "سامي" يهتف من الغرفة المجاورة:
- اسمع، بابا؟ هل تسمعني؟ لدي (...)
الشخصيات
1 الشاب: في الثلاثين، طويل بشكل ملفت للنظر. وسيم. أنيق. يرتدي معطفاً أسود يصل الى ما تحت الركبة.
2 السيدة: تجاوزت الخمسين. ممتلئة الجسم ولا تزال تحتفظ بآثار جمال قديم. معتنية بملبسها.
موقف حافلات يقع على مفترق طريقين، أحدهما رئيسي والآخر (...)
قدمتُ مداخلة في ندوة الرواية العربية التي عُقدت أخيراً في الرباط اواخر ايلول سبتمبر الماضي تحدثتُ فيها استناداً الى تجربتي الشخصية، عن الحدود المفترضة للتجديد الروائي في البلاد العربية. كانت في ذهني نقاط عدة وددت ان اعرضها بحذر، فأنا لست ناقداً ولا (...)
بداية الليل. حديقة واسعة الأرجاء، ذات اشجار كثيرة، سامقة، كثيفة الأغصان، تبدو، في إحاطتها بالمكان، كأنها عمالقة متراصون في وقفتهم. ريح خفيفة تلاعب الأشجار والأغصان، وتعطي انطباعاً بأن هنالك رقصة غامضة بطيئة الوقع بين النسمات والشجر. الجو، عموماً، (...)
في الطريق من الحدود الأردنية الى بغداد، كنتُ في سيارة مع اصدقاء من الأدباء التونسيين، أرادوا ان يقطعوا رتابة الليل والطريق الطويل، بالشراب والغناء. كان القمر مكسور الإطار، متكئاً بضعف على نهاية الأفق، وكان صوت الصديق التونسي خشناً تخدشه عاطفة مبهمة (...)
سأبدأ بالكلام من غير ان ألتزم حرفياً بالسؤال الذي يتسع لأمور عدة. لقد كُتب الكثير عن الحروب... روايات وأقاصيص وأخبار، غير أن ما بقي منها قليل جداً. لماذا؟
لأننا، في التعبير عن هذه المحنة الكبرى، نحتاج، إضافة الى الموهبة الأصيلة، الى صدق مؤسس على (...)
مع سنيِّ المراهقة، تفور الدماء في العروق وتتزايد سرعة جريانها" ولا بد أن ذلك يعمل، بشكل من الأشكال، على تغيير الأخلاق والتصرفات والأمزجة، فيبدأ بالظهور الشعورُ بالعزلة وكذا الشعورُ بالعظمة وحب التحدي واكتشاف المجهول. غير أن الميل الى المقاتلة (...)
هذه كلمات لم تكن تتوقعها بالتأكيد، ولم يخطر لي يوماً بأني سأوجهها اليك. انها بنيان من الكتابة غريب في تجلياته الزمانية، فأنا أتحدث إليك عن أيامك القادمة التي صارت، في نفس الوقت، ماضياً بالنسبة إليّ. وأنت، إذ تسمع مني حديث المستقبل، فقد يدور في ذهنك (...)
كان موعدنا، عبد الملك نوري وأنا، في المقهى السويسري هذا المساء" ذلك المقهى الذي قيل إن جواد سليم وبعض اصدقائه من الفنانين البولونيين صمموا داخله وزينوا الجدران برسومهم. كان عبد الملك قد قرأ، صدفة، مجموعة من أقاصيصي كتبتها بخط يدي في دفتر صغير ازرق (...)
ذات مساء احتفلنا بعيد ميلادي السادس واستطعتُ بهذه المناسبة، مستغلاً كوني الشخص المميز بين الجمع، أن ألتهم كمية من الحلوى وقطع الكيك والبسكويت ما جعلني أستيقظ في منتصف الليل تملكني نوبة تقيؤ شديدة. هرعت إليَّ والدتي ثم لحقها والدي. كانا مذعورين مثلي. (...)
مداخلة قدمت في مؤتمر الرواية العربية الذي عقد أخيراً في القاهرة
هذه المداخلة تقع على حافة النقد الأدبي، فهي ليست بحثاً نقدياً متكامل الجوانب، ولا محض تأملات ذاتية في الأدب، بل هي، بين الاثنين، أفكار نقدية شبه منهجية، انبعثت في الأساس من تجربتي (...)
خلال شهر كانون الاول ديسمبر 1997، عرضت القناة الفرنسية الاولى فيلماً تلفزيونياً بحلقتين مقتبساً عن رواية ستنرال الشهيرة "الاحمر والاسود".
كان الاخراج، في الحق، متقناً، ثرياً بمناظر تلك المنطقة الفرنسية "غرينوبل" في بداية القرن التاسع عشر. وكان (...)