قال الشيخ أحمد بن باز، الباحث في الشؤون الإسلامية ، أن السماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية بحاجة إلى قرار سياسي، مع تهيئة المجتمع لهذه النقلة. وأيده في ذلك الدكتور محمد آل زلفة، عضو مجلس الشورى السابق، الذي قال إنه لا بد من قرار سياسي يجنب البلاد الحرج والمضرة، ويجنب الأطفال والأسر السائقين الأجانب الذي يعبثون بنا. في حين خالفهما الرأي الدكتور ناصر العود، أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي قال إن القضية بحاجة لقرار اجتماعي يتم التهيئة له عبر وسائل الإعلام المختلفة. جاء ذلك في برنامج "واجه الصحافة" الذي يعده ويقدمه الإعلامي داود الشريان، وبثته قناة العربية عند الساعة الحادية عشر من مساء الجمعة 14-5-2010 بتوقيت السعودية. واستضاف البرنامج كلا من الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن باز نجل مفتي السعودية الراحل ، والدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى السابق، والدكتور ناصر العود أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ويشارك في الحوار الكاتب الصحافي في جريدة عكاظ خالد السليمان. فتوى المنع لها ظروفها التاريخية وتعد قضية منع المرأة السعودية من قيادة السيارة من القضايا الجدلية في الأوساط المحلية، حيث يطرح البرنامج عدة تساؤلات حول أسباب المنع، وعلاقة هذه القضية باعتماد الأسرة السعودية على السائق الأجنبي، وتأثير هذا الأخير على تماسك الأسر السعودية، ويطرح سؤالاً: هل أصبح السائق الأجنبي في السعودية بديلاً عن الأب والزوج؟. من جهته، أكد الشيخ أحمد بن باز نجل مفتي السعودية الراحل عبد العزيز بن باز أن مناقشة آراء العلماء لا يشكل أي انتقاص لهم، مشيراً إلى أن قضية قيادة المرأة للسيارة لا أحد يقول إنها محرمة لذاتها، وأن تحريمها جاء استناداً من قبل القائلين بذلك إلى القاعدة الشرعية لسد الذرائع، معتبراً أنه لا يجوز انتزاع الفتوى من سياقها التاريخي ولا ظروف ولادتها. وأضاف أحمد بن باز، الذي يعتبر من أبرز الفقهاء الذين يوصفون بالمتنورين والمعتدلين، أن رموز الصحوة في مطلع التسعينات نظروا إلى مسألة السماح للمرأة بقيادة السيارة باعتبارها دعوة لتحريرها وانسلاخها من الإسلام، وأن الفتوى التي صدرت في ذلك الوقت بتحريمها كانت لها ظروفها التي لا تنطبق على مستجدات السنوات الأخيرة، مطالباً بألا يتم التعامل مع هذه القضية من خلال الفتاوى فقط، لأنها حق مشروع في الأساس. تأثير السائق الأجنبي من جهته، قال الدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى السابق إن دراسته حول قيادة المرأة للسيارة، والتي قدمها لمجلس الشورى في وقت سابق، دعا فيها لمشاركة جهات عدة معنية لنقاشها والنظر فيها، بعد أن اتضح أن وجود السائق الأجنبي يكلف مليارات الريالات في اقتصاد البلاد، كما يؤثر على قيم وسلوكيات المجتمع السعودي، مؤكداً أن مجلس الشورى لم يناقشها لوجود فتوى متعلقة بها من هيئة كبار العلماء، واشترط المجلس لذلك إما فتوى ناقضة أو قرار من ولي الأمر. وأضاف زلفة أنه لم يدعُ إلى فتح الباب لقيادة المرأة للسيارة بشكل فوري ولكن بضوابط ووفق دراسات، مشيراً إلى أن غياب رئيس المجلس وقتها خارج البلاد كان له دور في تأجيل التصويت أثناء طرحه للدراسة. من جهة ثالثة، أقر الدكتور ناصر العود أن السائق الأجنبي أصبح يمثل جزءاً كبيراً من الأسرة السعودية، وأن بعض السائقين أصبح يقوم بدور الأب لدى بعض الأسر، مشيراً إلى أن الشأن الاجتماعي يجب أن يقوم على دراسات واستقراءات علمية لتقديم الحل الصائب لصانع القرار، وأيضاً للتخفيف من الانعكاسات السلبية المتعددة لوجود السائق الأجنبي داخل جدران منزل الأسرة السعودية. تغير مواقف العلماء وتطرق أحمد بن باز إلى جوانب أخرى عدة من أهمها، أن تبدل مواقف العلماء بحسب مستجدات العصر لم يعد غريباً، بل حدث وتغير. ومن الأمثلة على ذلك النظرة السابقة لتعليم المرأة وكيف تحولت، وكذلك النظرة في فترة سابقة لمخترعات مثل جوال الكاميرا وأجهزة الالتقاط الفضائية. ورأى بن باز أنه لا يوجد ما يمنع من إخضاع ما اعتمد عليه الممانعون لقيادة المرأة للسيارة من النقاش مرة أخرى، وأنه لو طبقت بعض تلك الاجتهادات لوجب منع قيادة الرجال للسيارات بالنظر للأرقام الهائلة في وفيات السعوديين جراء الحوادث. الازدواجية في الاختلاط وعاد الدكتور آل زلفة للتأكيد على أن هناك من ساهم في وضع المجتمع السعودي في قالب "له قدسية معينة وخصوصية معينة وإسلام مختلف"، مستغرباً من توجه المؤسسة الدينية لتحريم اختلاط طبيعي في الأسواق وتجاهل وإجازة آخر بشكل غير مباشر وهو خلوة حقيقية بين السائقين والنساء في سيارات مساحتها أقل من متر ونصف "، مستدلاً على أن هناك قرابة 740 ألف سائق في السعودية "يختلون يومياً بنسائنا" من خلال توصيلهن إلى أماكن العمل والسوق وغيرها، ومؤكداً على أن العلماء ألبسوا المجتمع ما لا يحتمل وقاموا بتعبئته للرفض. ورأى الدكتور العود أن اتفاق أكثرية المجتمع على الرفض "لايمكن أن يفسر بالقبول"، داعياً إلى ضرورة الوصول إلى آلية للشورى تحت مظلة شرعية يمثلها مجلس الشورى، ومعترفاً في الوقت ذاته أن من الأسباب التي أدت إلى رفض قيادة المرأة للسيارة هي "الذكورية " لدى فئات في المجتمع السعودي. واستغرب أحمد بن باز أن ينظر للمرأة على أنها "مخلوق لا ينتظر منه سوى الفساد"، مشيراً إلى أن السيارة هي آلة يمكن توجيهها للخطأ والصواب وأن المرأة "مثلها مثل الرجل يمكن أن تستخدم السيارة في الحلال أو في الحرام"، مؤكداً أن الشريعة مبنية على اعتبار المصالح وجلب اليسر، محذراً أن السائقين الأجانب جلبوا ثقافة مختلفة وخطيرة إلى المنازل السعودية. الخوف من المرأة وأشار أحمد بن باز إلى أن حقوق الإنسان يجب أن تفرضها الدولة فرضاً، مؤكداً أنه لا يمكن الجزم أن قيادة المرأة للسيارة ستؤدي للحرام، وأن قضية الحجاب لم تكن سبب الممانعين بل كان الخوف أن يؤدي ذلك لما يسمى بتحرير المرأة من الإسلام، مؤكداً أيضاً أن المنع لديهم لم ينطلق من الخوف على المرأة بل من الخوف منها أن ترتكب الحرام. وأضاف أن "هناك حتى الآن من يرى أنه يجب منع المرأة حتى لا تخطئ"، مطالباً بأن لا يتم (ترميز) الأمر على أنه إما أن يؤدي إلى حلال أو حرام. إلى ذلك، استعرض العود عدة احصاءات من أبرزها أن دراسة أثبتت اعتراف 50% من النساء أنهن يركبن مع السائق بمفردهن. فيما عقب بن زلفة على أن 52% من خريجي التعليم الشرعي الجامعي والمعاهد المتخصصة تعلموا أن كل ما يخص المرأة هو أمر "غير قابل للحديث". وفي نهاية الحلقة اختلف بن زلفة والعود على جاهزية المجتمع للقرار. فالأول يراه كذلك، أما الثاني فيرى العكس، فيما أكد بن زلفة على صاحب القرار السياسي أن "يجنب بلاده الحرج" ويسارع بالإقرار، فيما رأى بن باز أن القرار السياسي مطلب مع تهيئة المجتمع، مؤكداً أن هناك علماء يخافون التصريح بهذه الآراء بحجة أنها صادمة.