عكاظ - السعودية للأسف إنني كنت (شؤما) على وزير العدل السابق، فما أن وجهت له مقالي يوم (الأربعاء) الماضي بعنوان: (إليك يا معالي وزير العدل)*، حتى خرج من الوزارة في يوم (الخميس) بسرعة الصوت. أعرف أنني (مشأمة)، ولكن لم يخطر على بالي أن يكون مفعولها يعمل بهذه السرعة ؟!، وإلا لكنت قد أجلت المقال لعدة أشهر، لكي يكون عندي على الأقل (شوية دم)، والحقيقة أنني بدأت أخاف من نفسي وأتعوذ منها، لكن مثلما يقولون: إنه (خير خلف لخير سلف)، وها أنذا أصر مرة أخرى أن أوجه مقالي اليوم للوزير الجديد بنفس العنوان والله يستر لا أريد أن أطيل ولا أن أكرر الكلام، فقط أريد أن أقتطع له بعضا من ردود أفعال القراء على ذلك المقال، وهي كافية لكي لا نرهق معاليه، الذي للحق يقال إنني أسمع عنه كل خير. الأول كتب: طالما أن القضاء يأخذ الخريجين من مناطق وجامعات معينة وتخصص وحيد ليعينهم قضاة، فلا تتأمل أن يكون هناك تطوير أبدا، ناهيك عن أن تأهيلهم ضعيف جدا. الثاني كتب: المشكلة أن المطالبات المالية بين الناس تحال للقضاء مهما كانت بسيطة، فقد شاهدت في المحكمة قضية من أجل (ألفين ريال)، لماذا لا تحال مثل تلك الأمور البسيطة إلى الشرطة مثلما كانت سابقا؟!. والثالث كتب: لماذا يترك المجال للمدعي تحديد الوقت الذي يرغب فيه للجلسة؟!، وقد يطلب تأخيرها وتأجيلها لعدة أشهر، وتذهب (بين حانا ومانا ، ضيعنا لحانا). والرابع كتب: لي قضية امتدت إلى الآن أربع سنوات ولم تنته بعد، ولم أشاهد خلالها القاضي سوى ثلاث مرات، وبعد ذلك فقدت أوراقها ولازالوا يبحثون عنها. والخامس اقترح: أن يذهب وفد من وزارة العدل إلى دولة (الإمارات) ليشاهدوا التنظيم وكيفية إنهاء القضايا وسرعة إنجازها. والسادس كتب: لو كان لديك عدو، ادع عليه أن يكون له قضية حقوق مالية في أي محكمة. وأنا أقترح فتح محاكم تخص توزيع المواريث، فبعض تلك القضايا مضى عليها بدون مبالغة أكثر من ثلاثة عقود ولم تحسم. السابع كتب: أنا أجمع أرقام المعاملات، وأكتب عليها توضيحا تحسبا لمغادرتي لهذه الدنيا الفانية، مع وصية لأولادي بعدم اليأس، حتى لو وصلت لأحفاد أحفادهم. والثامن كتب باختصار جملة واحدة: الداخل للمحكمة مفقود ، والخارج منها مولود. أما التاسع فقد زودها عندما كتب: ثلاثة ينهون قضيتي و(ملطشتي): الله ، ثم سلمان ، أو الأجل المحتوم انتهى. يا معالي الوزير هذه الردود المختصرة هي أبلغ تعبير عن المعاناة حتى أكثر من (تشقيق الثياب). بقيت كلمة أخيرة: لا نريد من القضاة غير اللطف والبشاشة وهي غير (القهقهة) ولكنها تعني طلاقة الوجه والسماحة، والمشكلة أن بعض القضاة حفظهم الله يتلذذون بتقطيب الحواجب، وليس هناك أسرع وأسهل عند الواحد منهم من تهديده لصاحب القضية عندما يقول له وكأنه يفترسه: اسكت وإلا أدبناك، أو يستقوي (بالعسكري) وينادي عليه قائلا: طلعه يا عسكري. وهو يذكرني ببعض الأمهات الجاهلات، عندما تهدد طفلها قائلة له: اسكت وإلا أناديلك الغولة. [email protected] *المقال السابق: إليك يا معالي وزير العدل عكاظ هناك ثلاثة أماكن أرهبها جدا، وإذا مررت بجانبها بسيارتي أغمض لا شعوريا عيني أو على الأقل أشيح بوجهي عنها، وحصل في إحدى المرات أن اصطدمت بسيارة أخرى لهذا السبب (الرعديد)، وكأن ربي قد خلقني من فصيلة الأرانب. وهذه الثلاثة أماكن هي بدون ترتيب: المستشفى والمقبرة والمحكمة. المستشفى طبعا لأنني أريد أن أكون دائما بكامل لياقتي الصحية الجسمانية – ولا تعنيني كثيرا العقلانية – فهذه لها مكان آخر -، المهم لا أتمنى أن أنطرح يوما ما على سرير أبيض، فيزورني أو يتشفى بي الصديق أو العدو، وما أكثرهم – خصوصا من الأخيرين – أما المقبرة، فتعلقي بأسباب الحياة التي أعشقها، هي التي تجعل ركبي (تتصافق)، عندما أتذكر (هادم اللذات) الذي للأسف لا مناص منه. أما المحكمة، فحكاياتها حكاية، وقبل أن أخوض معكم فيها، فاسمحوا لي أن أورد لكم هذه الحادثة التي دخلت فيها للمحكمة، وكانت هي الأولى وإن شاء الله أن تكون هي الأخيرة. وبحكم أن (المتعوس متعوس)، فقد استدعيت قبل سنوات إلى المحكمة الكبرى القديمة في الرياض (كشاهد) وليس كمتهم، وما إن تحرك (الأسانسير) الكبير للصعود للقاضي بالدور الرابع، حتى تعطل وتوقف، وكان معي سبعة أشخاص، وأنا ثامنهم، ومكثنا ما لا يقل عن ربع ساعة، وكنا على قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، وما إن فتح الباب حتى خرجت أرثع مثلما ولدتني أمي، ولم يردني غير الشارع. صحيح أنني أرهب المحاكم، غير أن ما يبعث الطمأنينة إلى قلبي هم القضاة، فهم الوحيدون الذين أفرش لهم جناح الذل من المحبة وكذلك من الخوف – ليس على مبدأ (اللي على رأسه بطحه يحسحس عليها)، ولكن على مبدأ (ناس تنداس، وناس تنباس، وناس تنحط فوق الراس)، وأنا لا أريد أن أكون أي أحد من هؤلاء الثلاثة، أنا مجرد شخص معتر يقول: (يا الله العفو والعافية). ولكي أترك (الهذر) جانبا وأدخل بالغويط، لا بد أن أقول: لماذا وإلى متى هذا النقص (المريع) – بعدد القضاة الذي يجعل المراجعين يتجرعون الأسى ولا أقول الذل من كثرة (التأجيل ثم التأجيل ثم التأجيل)، إلى درجة أن أحدهم من شدة أساه أخذ يغني أمامي أغنية عبدالحليم (في يوم في شهر في سنة)، وقضيته لا زالت تراوح في مكانها. وإليكم ما ذكره بالحرف الواحد: نعم لا يوجد لدينا قضاة، والمحكمة تعاني من نقص كبير في الكادر القضائي – انتهى. هذا فقط في جدة، أما في بقية المناطق فحدث ولا حرج. وأظن أن هذا الوضع العجيب غير غائب عن ذهن معالي الوزير الدكتور (محمد العيسى)، وهو الرجل المشهود له بالكفاءة والنزاهة والحكمة، ولا شك أننا سوف نلمس بجهوده في القريب العاجل تغيير الوضع من حال إلى حال أفضل – والله من وراء القصد.