قبل أن تدور المطبعة ليل أمس الأول لتقدم لكم مقالي المنشور أمس تحت عنوان «الأحوال في أفضل أحوالها : ابتسامة لله يا وزير العدل»، كنت أشاهد على روتانا خليجية برنامج الرائع المذيع علي العلياني «ياهلا» الذي كان عن «العضل والحضانة»، وقد أدار المذيع اللامع – كما هي عادته – البرنامج بحكمة وجرأة وعمق، وما إن انتهى حتى قلت في نفسي: ليت العلياني يحاول استضافة عينات من هؤلاء «الذكور- وليس الرجال» الذين يعضلون بناتهم، ويضطرونهن لإهدار كرامتهن وسمعتهن بين الناس وفي المحاكم، وليته يحاول استضافة القاضي الذي صرف النظر عن دعوى «المعضولة» بعد تلك المشاوير والسنين. لا شك عندي أن هناك نوعية من الآباء «الذكور» ليسوا بشراً، ولا أدري ما هو التصنيف المناسب لهم، إذ يستحيل عليّ تصور أن أباً عاقلاً إنساناً «يعضل» ابنته لأي سبب مهما كان، ويضطرها أن تلجأ للقضاء من أجل أن تنال حقها الطبيعي في الحياة، وهو حق تقره الشرائع والأعراف، حتى بين الحيوانات، والأسماك، والطيور، فكيف يمكن إطلاق كلمة «إنسان» على من يُحرِم امرأة من هذا الحق تحت أي ذريعة، فما بالك إذا كان هذا «الذكر» مسلماً وعاقلاً في نظر نفسه ونظر الناس، وهذه «المحرومة» هي ابنته أو أخته، فأي إنسانية أو رجولة أو عقل أو دين لديه؟. أمّا أولئك الذين «فرغ النصيب» بينهم، وتطلقوا، ويسعى أي طرف منهم لحرمان الآخر من الأطفال فإن هؤلاء، وهم كثر، ومن حيث لا يدرون أو يقصدون، يربون أطفالهم على الحقد والكراهية والرعب، وقد يصبح هؤلاء الأطفال مستقبلاً مشاريع إجرام أو فساد، أمّا العقوق فحتمي لأحد الأبوين. إنني أكتب هنا وأنا في غاية الألم، وأستنجد بمعالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، وأرجوه باسم هؤلاء «المعضولات« وهؤلاء الأطفال المتنازع عليهم، أن يصدر تنظيماً أو آلية سريعة فعّالة آمنة محترمة تحمي هؤلاء «المسكينات المعضولات« من بناتنا وأخواتنا، وهؤلاء الأطفال من أولادنا الذين يُجنى عليهم تربوياً واقتصادياً، وتردع هؤلاء الآباء «الذكور«، وتقطع دابر النزاع بين المطلقين. إنني أرجوك يا معالي الوزير أن يجد ضعفاء مجتمعنا نظرة أبوية شرعية حانية تؤكد حقيقة أننا مسلمون وأننا في مملكة الإنسانية وتطبيق الشريعة والقوانين المستمدة منها بحزم وعدل، ولا أظن هذا الأمر صعباً أو يحتاج دراسات ولجانا. أمّا القضاة – يا معالي الشيخ – فقد زارني أمس القاضي عبدالرحمن السبت من محكمة الخبر وكانت زيارته من أجل جائزة أمير المنطقة الشرقية للدعاة والمساجد، ففاجأني بدماثة خُلقه وابتسامته التي لا تغيب بعد أن عرفت أنه قاض، لأن بعضاً أو كثيراً من القضاة لا يفعلون ذلك، فسألته فكان رده أن هذا هو الأمر الطبيعي في محكمتنا، وقال إن كاتباً من إحدى الصحف راجع المحكمة في قضية دون أن يعرفه أحد، ثم كتب مقالاً مدهشاً عنوانه «القضاة في محكمة الخبر يبتسمون !» فقلت له : هذا الكاتب كتب بهذا العنوان مندهشاً لأن المترسخ في أذهان الناس أن القضاة لا يبتسمون، وبعضهم لا يَرُد السلام، ومع إعجابي وتطلعي لأن تكون الابتسامة والأريحية سمة القضاة وموظفي المحاكم كلهم، إلا أنني بعد مشاهدتي لوجه «العلياني علي» وهو يستمع للمشتكيات من العضل والحضانة والقضاة، فإنني أسحب طلبي يا معالي الوزير الذي طلبته أمس، لا نريد الابتسامة نريد القضاة يداومون ويسرّعون قضايا الناس ، فليس معقولاً أن تبقى قضية عضل أو حضانة سنتين وثلاثاً، ولا حتى شهراً وأن يكون هناك خلال فترة وجيزة نظام ومحاكم خاصة أو آلية خاصة لهذه القضايا «العضل والحضانة والنفقة» فهي قضايا إنسانية وشرعية ولا تتحمل التسويف والانتظار ومواعيد الأشهر والسنين. جزاك الله خيراً أيها الوزير الفاضل فالكل يشيد بديناميكيتك وحرصك ونحن نعرف أن تطوير القضاء ليس سهلاً، لكن نرجوك الأهم ثم المهم. وقبل أن أختم أستأذنكم أن أطبع قُبلة إعجاب وتقدير على جبين الابن المذيع المتألق «علي العلياني».