مال -السعودية مقولة "انظر لنصف الكوب الممتلئ" تقال لمن طلب كوب من الماء فيؤتى له بكوب نصفة ممتلئ ماء، فيمتنع ويقول "نصف الكوب فارغ"، فيأتي الرد لماذا لا تنظر لنصف الكوب الممتلئ، وتستخدم هذه المقولة أو المثل (خصوصا عند دول الغرب) للتفريق بين التفاؤل والتشاؤم، فيقال هذا الشخص ينظر للنصف الممتلئ وذاك الشخص ينظر للنصف الفارغ. هناك أشخاص يستخدمون "انظر للنصف الكوب الممتلئ" عندما يكون طرحك في الأحاديث أو قنوات التواصل الاجتماعي، لمجرد أن الطرح لا يتماشى مع رغباته. عندما يُقال لك أن نسبة السيارات التي لا تتعرض إلى حوادث 99.9% (أو 999 من الألف) فبالتأكيد هذه نسبة عالية جدا، ولا تدع مجال لأي شخص أن ينظر إلى الجزء السلبي من هذه الافتراضية وهي 0.1% (أو 1 من الألف). ولكن لو طبقناها على أرض الواقع سنجد أن الرأي سيختلف هنا، فعندما تسافر بسيارتك من الدمام إلى الرياض ستقابل 5000 سيارة بكلا الاتجاهين، أي 10 آلاف سيارة في رحلتي الذهاب والإياب، أي أنك ستشاهد 9990 سيارة تمر بسلام، وال 10 سيارات الباقية ستتعرض إلى حوادث وستشاهدها. قد يجادل البعض أن الرقم 5000 مبالغ به مع أنه مستنتج من دراسة ميدانية، ولكن (جدلا) لنفترض أن عدد السيارات التي ستقابلها 2000 سيارة، فبالتالي ستشاهد حادثين، وهذا سيئ أيضا. وهل هذا رقم مقبول أن تشاهد حادثين أو خمسة أو عشرة حوادث في رحلة تستغرق 8 ساعات؟ وهل من حّذر منها يُعتبر متشائم؟ ولذلك يجب أن ننظر إلى الأمور في قوالبها، وليس 50% من كل شيء يعتبر معّدل وسطي. عندما تنتقد (واقعنا المرير) في الخدمات والمشاريع التنموية والاقتصادية، تجد من يتهمك بالتشاؤم مبررا بمقولة (انظر إلى الجانب الإيجابي) وكأنه يرى أن العمل السليم يشفع لعدم القيام بالأعمال غير السليمة. من الخطأ أن تدلي برأيك دائما عندما تقّيم كثير من الأعمال، فقياس (مثلا) مخرجات قطاع "التربية والتعليم" وقطاع "الصحة" وغيرها ليس رأي شخصي معرض للخطأ والصواب، بل أن هناك معايير دولية لتقييم المخرجات، وهي من يحدد إن كانت الأعمال تستحق النقد أم لا. القراءة الثاقبة هي أن تستنتج استنتاج (غير مشخصّن) و (غير مؤدلج)، فمثلا عندما تعلم أن "نزاهة" تواجه صعوبات من اختراق بعض الوزارات، تستطيع أن تستنتج أن الفساد لا يمكن القضاء عليه. وعندما تسمع بتعيين شخص برئاسة قطاع ليس لكفاءته ولا لإنجازاته، تستطيع أن تستنتج أن هذا القطاع لن ينتج مخرجات مرضية. هناك فرق كبير بين (رأي) شخصي ربما سمعه من الآخرين، و (رأي) شخص يقّيم بمعايير ومقاييس تستخدم في ريادة الأعمال. فهناك فرق كبير بين "الرأي" و "النظرة الثاقبة"، وأيضا هناك فرق كبير بين "التشاؤم" و "الواقع المرير"،،، وأخيرا التفاؤل المزعوم ما هو إلا مصدر خوف من واقع واضح كالشمس ولا يُحجب بغربال. barjasbh @