كان المفروض أن يحدث العكس.. وهو أن يأخذ أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إجازة في ذكرى الوطني، بينما يداوم الموظفون والطلبة نهارا قبل أن يحتفلوا بهذه المناسبة المجيدة ليلا، أعضاء الهيئة يتعبون طوال 364 يوما، وليس بالكثير عليهم أن يأخذوا عطلة ليوم واحد فقط بمناسبة اليوم الوطني، ستكون أجمل باقة شكر نقدمها في يوم الوطن لرجال الحسبة كي يرتاحوا بين أولادهم يوما واحدا، وترتاح (الجموس) التي ما انفكت تحرس تخوم الفضيلة!. ستقولون: من سيحفظ النظام خلال الاحتفالات من أخطاء المستهترين؟.. والجواب هنا: الشرطة طبعا.. هذا الجهاز العملاق الذي يدير حركة ملايين الحجاج بكل مهارة، والذي لن تعجزه أبدا السيطرة على المخالفات التي يمكن أن تحدث في مثل هذه المناسبات، طيب.. ماذا عن التصرفات غير الأخلاقية من سيتصدى لها بينما أعضاء الهيئة في عطلة؟، والجواب هنا من رحم السؤال.. فإذا كانت الهيئة تعمل طوال السنة لنشر قيم الفضيلة ومحاربة الرذيلة وتأمر الناس بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، فإن نتيجة عملها سوف تتضح في هذه اليوم، فالناس الذين نشأوا على برامجها يفترض أنهم مسلمون صالحون ومواطنون أفاضل، ولن يأكل بعضهم بعضا.. أليس كذلك؟..أما إذا حدثت الكثير من الأخطاء الأخلاقية والشرعية بمجرد غياب أعضاء الهيئة ليوم واحد فقط، فإن هذا دليل صارخ على أن كل عمل الهيئة طوال السنوات الماضية لم يكن له أثر على سلوكيات الناس، بل إنه في هذه الحالة يكون قد جاء بنتيجة عكسية، حيث أصبحوا لا ينضبطون إلا تحت نظر الأعضاء الميدانيين!. يوم واحد فقط.. يرتاح فيه رجال الحسبة وترتاح الناس، سيكون الاحتفال أجمل وأكثر عفوية، هو يوم يستطيع فيه عضو الهيئة الفاضل أن يتنزه مع أولاده في ربوع هذا الوطن مترامي الأطراف، أو يحضر معهم احتفالات اليوم الوطني، أما الهيئة كمؤسسة فإن بإمكانها استغلال هذه الفرصة في تغيير فلسفة مشاركتها بالاحتفال بيوم توحيد هذه الدولة المباركة التي كانت أول دولة تؤسس جهازا حكوميا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مثل إطلاق برامج وفعاليات وأنشطة تتركز حول توعية الناس بكيفية الاحتفال بشكل حضاري من خلال التزامهم بمبادئ الدين الحنيف، بل وبمبادئ كل الأمم المتحضرة التي تحتفل بسلاسة وحب ولا يأتي صباح اليوم التالي إلا وقد نظفت المجموعات التطوعية المدن من مخلفات الاحتفال الكبير.. معالي رئيس الهيئات يقول في تصريحاته الصحفية أمس إن أعضاء الهيئة لم يتوقفوا عن العمل في هذا اليوم، حيث واصلوا النوبات الصباحية بالمسائية، وهذا مرهق لهم ومرهق أيضا لمعاليه، فهو بدلا من التفرغ لإطلاق مبادرات مبتكرة في هذه المناسبة، سوف يتفرغ للتعامل مع الأخطاء الميدانية الفادحة التي يرتكبها بعض الأعضاء الميدانيين.. فالمطاردات القاتلة مستمرة رغم المنع الصريح.. والحوادث المؤسفة التي تكون نهايتها شنيعة ومؤلمة تتواصل لتعكر صفو الاحتفال وتفسد فرحة الناس بيومهم الوطني. إنها فرصة للتخفيف من الصداع، فلو أعطى رئيس الهيئة إجازة للأعضاء الميدانيين في اليوم الوطني لما اشتعل رنين الهواتف في مكتبه، ولأصبح بإمكانه قياس الأثر الذي أحدثته برامج الهيئة في نفوس الناس طوال أكثر من ثمانية عقود منذ بداية عملها من خلال سلوكياتهم في هذا اليوم : هل أصبحوا أقرب للمعروف؟..أم أنهم أقرب إلى المنكر؟. وأخيرا، إذا وجد هذا الاقتراح المتواضع قبولا لدى الهيئة ومنحت أعضاءها إجازة بمناسبة اليوم الوطني، فإنني أناشد مدير الخطوط الجوية العربية السعودية أن يمنح خصما مضاعفا لأعضاء الهيئة الذين يرغبون بالتمتع بهذه الإجازة خارج الوطن.. يستاهلون.. ونحن نستاهل.. و(نستاهلك يا دارنا وحنا هلك)!.