استأثرت كلمة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي التي ألقاها يوم الخميس الماضي خلال الجلسة الرئيسية الافتتاحية لقمة حركة عدم الانحياز التي عقدت مؤخراً في طهران بنصيب غير متوقع وواسع من المتابعات الإعلامية والتحليلات السياسية العربية والفارسية والاجنبية. ويعزى هذا الاهتمام المفاجئ بخطاب الرئيس المصري، والذي يعد الظهور الخارجي الأبرز له بعد انتخابه رئيساً لمصر، إلى رسالة الإدانة القوية للنظام السوري وجيشه ووصفه بالنظام القمعي الظالم الفاقد للشرعية ومطالبته بدعم طلاب الحرية في سوريا كون ذلك يعد واجباً اخلاقيا.... وضروة سياسية استراتيجية. فيما مضى كان استمرار صمت الحكومة المصرية برئاسة مرسي إزاء فظاعات النظام السوري وجيشه وشبيحته وحلفائه، وبخاصة إيران وحزب الله، يثير علامات استغراب واستفهام كبرى أكبر من أهرامات مصر ويصب سلبياً في خانة تحجيم دور مصر العروبي والاسلامي والعالمي حتى لو اخذنا في عين الاعتبار حقيقة ان مصر ثورة الخامس والعشرين من يناير تمر بمرحلة انتقالية تجبرها على الانكفاء داخلياً والتركيز على قضاياها الملحة والمتمثلة في جوانبها الدستورية والامنية والاقتصادية. بذلت الحكومة الايرانية جهوداً جبارة من أجل نجاح عقد قمة عدم الانحياز في طهران لفك عزلتها الدولية والتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي والتسويق لهيمنتها الاقليمية ولو على الصعيد الداخلي، ولكن تفاصيل خطاب مرسي ولغته وإيماءاته العقدية وتخريجاته السياسية المفاجئة لربما أفسد على الحكومة الايرانية ومنظمي القمة امكانية تحقيق تلك الغايات او الاهداف منذ البداية ! الخارجية المصرية بطاقمها الجديد ومن خلال خطاب الرئيس مرسي، على ما أعتقد نجحت نجاحاً كبيراً في توظيف منصة قمة عدم الانحياز لصالح السياسة الخارجية المصرية وتوجهاتها الجديدة. فعلى سبيل المثال من المعروف ان الرئيس الإيراني يتمتع بمهارة جيدة في التعامل مع وسائل الاعلام العالمية بحيث أنه نجح في مناسبات اقليمية وعالمية في الاستفادة من تلك المهارة وبخاصة متابعة تصريحاته التدميرية بشأن إسرائيل والتشكيك في محرقة اليهود. في قمة عدم الانحياز الأخيرة، تقزمت تلك المهارة أو المماحكة الفارسية كثيراً وفي عقر دارها أمام تفاصيل خطاب الرئيس مرسي إلى درجة أن قنوات التلفزيون الايراني اضطرت إلى قطع البث الحي لخطاب رئيس قمة عدم الانحياز وبث بدلاً عنه إعلان لشركة غاز، إلى جانب تعمد المترجمين الايرانيين استبدال اسم «سوريا» ب «البحرين» وحذف وكالة فارس جميع فقرات الخطاب المتعلقة بدعم الثورة السورية وإدانة النظام السوري اللانساني. نعي جميعاً ان الخطابات والمؤتمرات لن توقف نزيف الدم السوري ما لم ترافقها قرارات تنفيذية عربية واقليمية ودولية فاعلة توقف مجازر هذا النظام الدموي، ولكن تكتسب منصات مثل تلك اللقاءات والمؤتمرات الدولية أهمية خاصة من الناحية الزمانية والمكانية عندما يتم توظيفها بشكل استراتيجي ذكي لتسليط الضوء على مأساة انسانية تجري فصولها اثناء انعقاد مثل تلك المؤتمرات مثل مأساة الشعب السوري الشقيق. ختاماً، لقد بذلت الحكومة الايرانية جهوداً جبارة من أجل نجاح عقد قمة عدم الانحياز في طهران لفك عزلتها الدولية والتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي والتسويق لهيمنتها الاقليمية ولو على الصعيد الداخلي، ولكن تفاصيل خطاب مرسي ولغته وإيماءاته العقدية وتخريجاته السياسية المفاجئة لربما أفسد على الحكومة الايرانية ومنظمي القمة امكانية تحقيق تلك الغايات او الاهداف منذ البداية ! مع ذلك نكرر ونقول لا مناص لنا للتقدم والرقي والرخاء والاضافة للحضارة الانسانية كعرب ومسلمين الا من خلال الحوار واحترام بعضنا لبعض بغض النظر عن انتماءاتنا المذهبية او الطائفية أو حتى الدينية.