هناك خلط واضح بين الحرية المطلقة التي أعطتها وسائل الإعلام الجديد (الإلكتروني) وبين المعايير المهنية التي يجب أن يتقيد بها الإعلامي ليكون إعلاميا حقيقيا لا مجرد مخبر يحول المادة الصحفية إلى ما يشبه "خلطة الأسمنت". ففي وسائل إعلام شخصية إن صحت التسمية مثل "فيس بوك" و"تويتر" يمكن لأي شخص أن يعبر عن رأيه حسب رؤيته وبقدر إمكاناته الكتابية دون أن يلحقه الكثير من اللوم. لكن المشكلة الحقيقية هي عندما تكون الوسيلة هي صحيفة إلكترونية يفترض بها أن تكون منبرا إعلاميا مهنيا (على غرار الصحف الورقية)، ومع ذلك تجد في أخبارها ما لا يعد ولا يحصى من السقطات المهنية التي لا تغطى بغربال ولا يمكن تبريرها إلا بأن من كتبها شخص لا يعرف معنى الخبر أو التحقيق أو التقرير أو الرأي الشخصي، ولذلك تخرج المادة الصحفية في حالة هزيلة مهنيا، فالصياغة ركيكة جدا والجانب اللغوي في غيبوبة كاملة، فلا تستغرب أن تجد خبرا يدمج اللهجات المحلية والفصحى في قالب واحد (كلمة من هنا وكلمة من هناك) دون أي حرج. بالطبع هذا لا ينطبق على عدد محدود جدا من الصحف الإلكترونية الرائدة التي تأسست على معايير مهنية صارمة وواضحة، لأن من يقوم عليها صحفيون أصحاب خبرات واسعة. ولكن الحديث عن غالبية ما هو موجود حاليا. وبعد مرور حوالي العامين على صدور تراخيص مؤقتة للصحف والمواقع الإلكترونية، فإن التساؤل المطروح هو: كيف ستتعامل وزارة الثقافة والإعلام مع هذا الكم الهائل من الصحف والمواقع الإلكترونية التي لا يلتزم منها بالمعايير المهنية سوى عدد قليل جدا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؟ وهل ستكون معايير الترخيص النهائي هي عدم تجاوز الخطوط الرقابية "الحمراء" و"الصفراء" فقط؟ وهل سيكون للمعيار المهني "الصحفي" بكافه صوره دور في هذا الترخيص أم لا؟ فالاعتقاد السائد بين الكثير من أصحاب تلك الصحف والمواقع الإلكترونية هو أن الأهم هو عدم تجاوز "الخطوط" السابق ذكرها، وما بعد ذلك من أمور مهنية لا يهم كثيرا سواء أتى أو لم يأت! ولعل مما يعزز تلك النظرة القاصرة لمفهوم الإعلام هو أن لائحة النشر الإلكتروني التي أقرتها وزارة الثقافة والإعلام لم تهتم كثيرا للجانب المهني سوى في جزئيات بسيطة مثل آلية التعامل مع شكاوى التعدي على الأشخاص أو الجهات الخاصة أو الحكومية دون أدلة وتوثيق. قد يقول قائل إن تعزيز الجوانب المهنية في الصحافة بكافة أشكالها هو مسؤولية هيئة الصحفيين السعوديين، فأقول له: وهل فعلت تلك الهيئة أي شيء لأي صحفي؟