أنجلت الأيام القليلة الماضية عن واقع جديد على ساحة الإعلام الرياضي تمثل في تسرب العديد من الأخبار (المفبركة) التي أدت إلى إحداث إرباك كبير وعلى غير صعيد، لاسيما فيما يتعلق بالخبر الذي تم تداوله حول انسحاب الأندية السعودية من دوري أبطال آسيا قبل سفرها إلى إيران، قبل أن يتدخل الاتحاد السعودي لكرة القدم لينفي ذلك، مؤكداً أن الأندية السعودية ستكمل مشوارها في البطولة. ولم تقف الفبركة عند هذا الحد بل روجت صحف الكترونية أخبارا تشير إلى تعرض بعثة نادي الاتحاد في طهران إلى عملية إطلاق نار، وأن بعثة نادي الهلال غادرت مدينة أصفهان عائدة إلى الرياض قبل مواجهة الفريق مع نظيره سباهان، وهما الخبران اللذان تسببا في توتير الساحة الرياضية ما دفع العديد من وسائل الإعلام بكافة أنواعها لمتابعة الحدث، لاسيما القنوات الفضائية التي سارعت للاتصال بموفديها للتأكد من الخبر قبل أن يأتي النفي على لسان مسؤولي البعثتين والاتحاد السعودي كذلك. الحمادي: ضعف ثقافة الإنترنت وغياب المهنية من أسباب التجاوزات وعدا الخبرين المذكورين فقد ظلت الصحف الإلكترونية لاسيما الرياضية منها مصدراً رئيساً من مصادر حقن الوسط الرياضي بالتطرف الزائد في الميول، والتشدد المبالغ فيه في التشجيع، فضلاً عن مساهمتها في توسيع هوة الانقسامات الرياضية، من خلال تبنيها الأطروحات المتشنجة، والآراء المتعصبة، إضافة إلى تحولها إلى ملعب للتقاذف بالعبارات البشعة، والاتهامات المرسلة، وساحة لتصفية الحسابات، والضرب من فوق الحزام وتحته. وفي وقت لم تقتصر الممارسة السيئة للتعاطي الإعلامي البعيد عن المهنية على الصحف الرياضية الإلكترونية المتخصصة إذ سابقتها إلى ذلك الصحف العامة التي تمتلك بين جنباتها أقساماً رياضية، إلا أن ثمة صحف ظلت متمسكة بأقصى درجات المهنية بفضل وجود قياديين مهنيين استطاعوا أن يمسكوا بدفة العمل الصحفي ببراعة متناهية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتحقيق التوازن على أقل تقدير في ظل حالة الانفلات الإعلامي الواضحة، وهو ما يعترف به عدد من الإعلاميين الممارسين العمل الصحفي الإلكتروني، وكذلك بعض الإعلاميين الخبراء بالعمل في الصحافة بجانبيها الورقي والإلكتروني. اليوسف: أصحاب (البرشوتات) مصدر الخطر الأول والمستقبل للمهنيين غياب الثقافة والمهنية ويصادق الكاتب الرياضي وعضو لجنة الإحصاء والإعلام بالاتحاد السعودي لكرة القدم الدكتور صالح بن ناصر الحمادي على حقيقة وجود كثير من التجاوزات الإعلامية في الصحف الالكترونية التي لا تقتصر سلبياتها على الجانب الرياضي، بل قد ترتد سلبياتها على جوانب أخرى اجتماعية وسياسية. وقال: "حالياً يوجد أكثر من 200 صحيفة إلكترونية، وبينها الغث والسمين، وفي ظل هذه الكثرة ينبغي أن تحافظ كل صحيفة على أعلى درجات الصدقية، لأن المتلقي سيفرز الأفضل من بينها، وسيتبين حينها الصحيفة الرصينة من الصحيفة ذات الأكاذيب والفاقدة الصدقية. وأضاف: "ثمة سبب رئيس يسهم في جنوح القائمين على بعض الصحف الإلكترونية إلى (الفبركات)، والتسرع في نشر الأخبار غير الصحيحة، وهو النقص الحاد في ثقافة الانترنت عن بعض مسؤولي تلك الصحف، فضلا عن انعدام المهنية الصحفية، خصوصاً في تسلم دفة القيادة؛ وما نشهده اليوم في سوء التعامل مع تقنية الصحف الالكترونية هو نفسه ما نشهده من سوء ممارسة مع كل تقنية جديدة تدخل مجتمعنا". عبدالقادر: الدخلاء أساؤوا للصحافة ورسائل الجوال أكثر خطراً وثمن الحمادي لوزير الثقافة والإعلام حرصه على تنظيم عمل الصحف الالكترونية، داعياً في الوقت نفسه إلى ضرورة التشدد في منح التراخيص، وكذلك التشدد في حتمية أن يشرف عليها قيادات صحفية حتى لا يكون ضرر هذه الصحف على الجميع، وأولهم وزارة الثقافة والإعلام نفسها. المتطفلون يلوثون الساحة ويقسم رئيس تحرير صحيفة (شوووت) الإلكترونية سامي اليوسف المشرفين على الصحف الإلكترونية الى ثلاثة أقسام، معترفاً بوجود تجاوزات خطيرة تهدد الساحة الرياضية والإعلامية على السواء بسبب ما وصفهم "أصحاب البرشوتات" وقال: "المشرفون على الصحف الإلكترونية ثلاثة أنواع الأول يدير الصحيفة بفكر ورقي صرف أي أنه نقل تجربته الورقية كما هي إلى الصحيفة الالكترونية وهذا لن يقدم جديدا عما يطرح في الصحافة الورقية، والثاني هم من هبطوا ب (براشوت) الى المناصب القيادية في الصحافة الالكترونية، مثله مثل بعض كتاب الزوايا والأعمدة في الصحف الورقية أو مدراء المراكز الإعلامية، إذ وجدوا أنفسهم مسؤولين عن مواقع يتصفحها الآلاف وهم يفتقرون الى أبسط أسس ومواصفات الإعلامي العادي فما بالك بالقيادي، لذلك فهو لا يفرق بين الصحيفة الإلكترونية والمنتدى، ما جعلهم يديرون صحفهم على طريقة المنتديات وهذا النوع تحديداً يمكن توقع منه أي شيء، أما النوع الثالث فهو من ينقل تجربته الورقية ولكن مع تعديلات أساسية تتماشى وفكر ومبادئ الإعلام الجديد أو الإعلام الالكتروني، وهنا تتحقق المهنية بمعانيها ولن أمتدح تجرب (شوووت) ولكن بشهادة الخبراء باتت الصحيفة في طليعة الصحف حالياً". الغربي: الصحافة الإلكترونية فتحت الباب للمتطفلين وسيسقطون قريباً وأضاف اليوسف: "رغم ذلك ينبغي ألا نقسو على الصحف الالكترونية ونظلم مسيريها؛ لأن التجربة حديثة، وحتى نكون منصفين فلننظر لبعض الصحف الورقية التي مازال يقبض عليها إعلاميون تجاوزهم الزمن، ومازالوا يتعاملون مع المتلقي على أنه قارئ الثمانينيات الميلادية الذي يصدق وينطلي عليه كل شيء". وتابع: "ألم نقرأ لكتاب أعمدة في الصحف الورقية يمارسون التمييز العنصري، ويطعنون في ذمم الآخرين، ويوغلون في نشر ثقافة التطرف الرياضي؟، ألم نتابع صحيفة ورقية يوجهها عضو شرف أو رئيس ناد معين لتزرع القنابل الموقوتة في دروب الناجحين في الأندية؟، ألم نقرأ لأخبار لا قيمة لها إن على مستوى الصياغة أو الصدقية ومع ذلك تنشر ويروج لها؟، ثم ألم نلحظ أن صفحات معينة لا تنتقد النادي (الفلاني) لان رئيسه يتعامل مع مسيري تلك الصفحات بسياسة "اطعم الفم تستحي العين". ناصر الغربي وشدد اليوسف على رهانه بأن الزمن المقبل هو زمن الصحافة الالكترونية المحترفة والشابة مع بقاء الصحف الورقية باعتبارها مجرد تقليد لا بد منه. حذارِ من الدخلاء وإذ يتحفظ رئيس تحرير صحيفة "هاتريك" الإلكترونية حسن عبدالقادر على تعميم وصف "القنابل الموقوتة" على كل الصحف الالكترونية، إلا أنه يعترف بوجود أشخاص يشرفون على صحف إلكترونية يمكن اعتبارهم مصدراً للأخبار المفخخة. وقال: "حتى لا يكون التوصيف فيه تجنٍ على صحف يديرها زملاء لديهم مشوار طويل من الخبرة والعمل المهني يخول لهم معرفة الخطوط الحمراء وما ينشر وما لا يستحق النشر يجب عدم الخلط ووضع الجميع وفق معيار واحد، لكن في المقابل هناك صحف تديرها أسماء لم تمارس العمل الإعلامي أساسا، ومن يراجع قائمة الصحف سيجد أنهم بالعشرات، وهؤلاء يمكن أن يكونوا مصدر الأخبار المفخخة". صالح بن ناصر الحمادي وأضاف: "من وجهة نظري أرى أن هناك ما هو أخطر من الصحف الالكترونية وهي الجوالات الخاصة التي تبث الأخبار عبر الرسائل القصيرة عن طريق أناس غير معروفين وليس لهم مرجعية معروفة ووصول أخبارهم أسرع وأكثر تأثيرا، وبالتالي انتشار الخبر السيئ أو المفخخ يكون في وقت قياسي". سامي اليوسف الأقنعة ستسقط قريباً ودافع نائب رئيس تحرير صحيفة "قووول أون لاين" الإلكترونية ناصر الغربي عن الصحافة الإلكترونية مؤكداً بأنها تلعب دورا محوريا في فتح أفاق واسعة جدا من حرية الرأي، والنقد الموضوعي لكثير من القضايا الرياضية، كما أنها تسهم في طرق القضايا الحساسة بكثير من الشفافية والصدقية ما أدى إلى حراك إعلامي أوسع وأشمل. ورأى الغربي أن الصحافة الإلكترونية باتت تشكل خطرا داهما على الصحافة المطبوعة "بعد أن سحبت منها البساط عبر تناولها الأخبار بشكل فوري ومباشرة فور وقوع الحدث"، معترفاً في الوقت نفسه بأن رأيه لا ينفي أن هناك من يسيء استخدام الصحافة الإلكترونية بطريقة سمجة. وأضاف: "السبب يعود لأن الصحافة الإلكترونية فتحت الباب لأشخاص ليس لهم علاقة بالإعلام لا من قريب ولا بعيد للدخول إلى الوسط الإعلامي من أوسع أبوبه فباتوا يهرفون بما لا يعرفون، ويفسدون أكثر مما يصلحون، ما دفع بعضهم إلى التعريض بالصحافة الإلكترونية، ولكن هؤلاء سرعان ما تسقط أقنعتهم أمام القارئ الفطن فيبقون على الهامش من دون تأثير حقيقي". وعاد الغربي لمقاربته بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية مشيراً إلى وجود بعض الصحف التي تفسد أكثر مما تصلح وتسيء أكثر مما تقدم الحقيقة، ويطلق مسؤولوها وكتابها ألفاظا مسيئة جدا، وتصل لحد القذف من دون أن تجد رادعا أو مقوما لها.