أحد النواب البريطانيين غاضب على جامعة درم البريطانية، وذلك لأنها بصدد منح درجة الدكتوراه في سبتمبر القادم لطالبة دراسات عليا سورية الجنسية، وسبب الغضب أن الطالبة تربطها ببشار الأسد علاقة صداقة وثيقة، وتعمل موظفة لدى الحكومة السورية، ويشتبه في أن الحكومة هي التي تمول دراستها في الجامعة؛ لذلك هو يطالب الجامعة بحجب الدرجة العلمية عن الطالبة، كما يطالبها بأن توضح أسباب قبولها لطالبة تنتمي إلى نظام الأسد. هذا النائب غاضب من الجامعة؛ لأنه كما يقول يتحدث من منظور أخلاقي إنساني، فسفاك سوريا وأتباعه لا ينبغي أن يجدوا ترحيبا من أحد في أي مكان. تخيلت نفسي نائبة في البرلمان البريطاني، وأن علي أن أتخذ موقفا محددا تجاه ما يقوله هذا (الزميل)، هل له الحق في هذه المطالب أم أنه اشتط بعيدا وأوغل؟. إنها قضية تضعنا أمام موقف فلسفي أخلاقي محير، فمن المسلم به أن ما يفعله بشار الأسد داخل سوريا، من بغي وإفساد في الأرض وإزهاق للأرواح البريئة، لا يرضى به امرؤ ذو ضمير، ولكن، هل أيضا من الحق والعدل أخذ جميع الذين لم يعادوا بشار ولم ينضموا إلى جبهة مقاومته بجريرته، بمن فيهم زوجته وبناته وأقاربه وأصدقاؤه وموظفو الدولة ومبتعثوها للدراسة، فتنزل بهم جميعهم العقوبات ويحرمون حتى من الحقوق المشروعة لهم؟! مثلا، هذه الطالبة التي وجد أنها موظفة حكومية مبتعثة كما يقول النائب هل من الحق معاقبتها بحرمانها من نيل الدرجة العلمية التي تستحقها على أساس أنها مؤيدة لبقاء الرئيس أو حليفة له؟ هل يحق للجامعة أن تمتنع عن منح الطالبة الدرجة العلمية لأسباب سياسية لا علاقة لها بالناحية الأكاديمية؟. من المؤكد أني هنا لا أتحدث عن هذه الطالبة بعينها، ولست بصدد الدفاع عن حقها في أن لا تحرم من نيل درجة علمية أنفقت سنين من عمرها وهي تعمل من أجل نيلها؟ فأنا لا شأن لي بذلك على الإطلاق، ولكن ما أثارني هو التفكير في الموقف الأخلاقي العام الذي يكتنف هذه القضية!! هل على المؤسسات الأكاديمية أن تخضع للتوجهات السياسية؟ أم أن من واجبها أن تحافظ على موضوعيتها بعيدا عن الانحيازات التي تفرضها خيارات السياسة؟ وكيف سيكون حال تلك المؤسسات متى دخلت عالم الصراعات السياسية فربطت أوضاعها الأكاديمية والعلمية بما يجري في ساحات الدول من معارك، وصارت في كل مرة تناصر حزبا وتعادي آخر؟. كيف ستتصرف جامعة درم؟ هل ستصم أذنها عن دعوة ذلك النائب ومؤيديه لتحتفظ بحريتها الأكاديمية بعيدا عن الشأن السياسي؟ أم ستنساق وراء دعواه فتحجب الدرجة العلمية المستحقة لطالبة تنتمي إليها، بعد أن أوشكت على الحصول عليها؛ لكونها تنتمي إلى حزب بشار الأسد وتدرس على نفقة الدولة؟