هل كانت زيارة الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية نبيل العربي إلى دمشق لمؤازرة نظام الأسد أم لمواساة الشعب السوري أم لمساندة «الشبيحة» على تقطيع أوصال الثورة؟ هل ذهب العربي إلى دمشق خجولاً أم وصل عجولاً؟ لماذا لم يجد العربي جملة مفيدة يقولها للشعب السوري ومن ورائه شعوب عربية «غاضبة» خلال زيارته للأسد إلا القول بأن «الجامعة العربية ترفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية ولا يحق لأحد سحب الشرعية من أي زعيم عربي لأن الشعب هو من يقرر ذلك»، في رد على تصريحات البيت الأبيض بأن الأسد «فقد شرعيته». ماذا كان يسمع العربي ويشاهد على الشاشات التلفزيونية ويقرأ في الصحافة ووكالات الأنباء عما يفعل نظام الأسد بالشعب السوري وبماذا يطالب المحتجين، أليس برحيل الأسد ونظامه وتفكيك حزبه؟ هل أراد العربي التجاهل أو التذاكي أو التغافل عما يحدث في المدن والبلدات السورية من إراقة للدماء البريئة؟ للأسف الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية صوَّب المسدس على رؤوس المتظاهرين «المسالمين» في سورية في أول زيارة إلى دمشق بعدما تسلَّم مهماته «العروبية» في جامعة لا حول ولا قوة لها إلا الكلام فقط. لقد كانت الشعوب العربية تنتظر من العربي قولاً سديداً ورأياً حكيماً يصون الأنفس ويحفظ الكرامة ويدافع عن المطالب المشروعة للشعب السوري والشعوب العربية الأخرى وينتقد الممارسات «البعثية» و»العبثية»، وإذا به يقلب الآية رأساً على عقب. حضر العربي إلى دمشق لا ليقف إلى جانب المطالب الشعبية بل ليجامل حزب البعث ويتجاهل ممارساته القمعية والوحشية ويسجِّل زيارة رسمية «كرتونية». «هزلت يا عربي» قالها المتظاهرون في الشارع السوري للأمين العام الجديد قبل أن يغادر مطار دمشق بعدما سمعوا ما قال وعاد خالي الوفاض. كان السوريون ينتظرون أن يسأل العربي بشار الأسد بأي ذنب يُقتلون ويُسحلون ويُركلون ويُهجَّرون وتهدُّ بيوتهم على رؤوسهم ويودعون في السجون، وإذا به يتجاهل الشعب «الثائر» ويجامل النظام الحاكم. «هزلت يا عربي» ستُقال ليس للعربي وحده، بل ستُقال بالفم المليان لكل من لا يقدر الشعوب ورغباتها وحقوقها وأمنها وكرامتها وحريتها. لا تحسب للعربي «عروبته» عبر تسويق «مخدر» الشعارات القومية التي سئمت الأجيال من نفثها وتكرارها والبطون خاوية والحقوق ضائعة، ولن يغفر التاريخ (للأمين الجديد) مجاملة نظام الأسد والتماهي «بصمت» مع شبيحة نظامه وقتل المتظاهرين. ألم يكن العربي من بين الذين رفعوا الصوت انتقاداً ضد نظام حسني مبارك وندَّد بقتل المتظاهرين في بلاده خلال ثورة 25 يناير لماذا لا يفعل الشيء نفسه في دمشق؟ إلا يعلم العربي أن نظام مبارك «جنة» إذا قورن بنظام الأسد؟ لماذا لم يستنكر العربي تصريحات مسؤولي البيت الأبيض عندما دعوا مبارك إلى التنحي فوراً. هل هناك فوارق في مواد الجامعة العربية بين التدخل الأميركي في شؤون القاهرة أو دمشق؟ أليست التصريحات الأميركية الموجَّهة للجمهوريات العربية واحدة وإن اختلف الزمان والمكان ودرجات الأسبقية في البرقية «البيضاوية»؟ هل يعرف العربي كم قتل «شبيحة» الأسد حتى اليوم من المواطنين الأبرياء؟ أليس القتلى بالمئات والجرحى بالآلاف وبينهم نساء وأطفال؟ هل يعرف كم عدد النازحين والمهجَّرين «قسراً» الفارين من جحيم آلة الجيش العسكرية و «شبيحة النظام»؟ هل يعرف عدد المعتقلين والمعذبين في السجون السورية في قضايا الرأي العام؟ هل يعرف ماذا فعل «شبيحة» النظام بالطفل حمزة الخطيب وكيف نكَّلوا به وشوَّهوا جثته ومعه أطفال آخرون؟ هل يعرف العربي ماذا فعل نظام الأسد، بحنجرة إبراهيم قاشوش، بعد تأليفه أغنية، «يلا ارحل ارحل يا بشار»، وكيف ذبحوه بطريقة همجية وشقوا حنجرته بالسكين من الوريد إلى الوريد، ومزقوا جسده بالرصاص ثم رموه في نهر العاصي. الشعوب العربية المظلومة والمكلومة بحاجة إلى كل الوقفات المؤيدة لحقوقها وحريتها وكرامتها وعزتها سواء من البيت الأبيض أو قصر الاليزيه أو داوننغ ستريت أو غيرها، في ظل «صمت» و «غياب» العواصم العربية عن استنكار ما يحدث في سورية من آلة عسكرية وأمنية ونظام لا يرحم، يقتل الشعب ويحرق الجلود ويقطع الحناجر بالخناجر ويحفر المقابر للمئات ويفتح السجون للآلاف. أعتقد أن أخف كلمة تقال لنبيل العربي من الشعب السوري «الثائر» رداً على موقفه الأخير «بئس ما قلت» فقد فشلت في أول زيارة عمل رسمية في مهمتك الجديدة، ويجب أن ترحل مع الراحلين ولا حاجة لمن يجامل الأنظمة القمعية ويقف ممانعاً أمام الثورات الشعبية المطالبة بالإصلاحات والحريات ضد سلاطين الظلم والطغيان.