يتكرر السؤال: هل لديك حساب في تويتر؟ أما الجواب بالنفي، فيتعجب منه محدِّثك وتندهش له ملامحه، وكأنه وصل إلى القمر قبلك مثلاً، ويشفق من مكوكه الفضائي على من لا يزال يتخبّط في مواصلاته الأرضية الفقيرة! وعليه، فمن واجبه وأخوّته وصداقته وزمالته نصحك وحثك على الإسراع في تدارك جهلك العصري، بل وتكاد تسمعه يقول (وإن لم يقلها): «اسكت لاحد يسمع أنك لا تزال بلا تويتر»، ولأن كاتبة السطور واحدة من ملايين قرروا الاستغناء عن خدمات التويتر والفيسبوك (أقلها حتى نشر المقالة)، فتجد أنها تعاني بحسب تقدير البعض من جهل مُطبق بأحدث أساليب التواصل الاجتماعي، ولابد أن تلحق سمعتها الثقافية التي تمرّغت بلا تويتر وفيسبوك، وتعلن من فورها انضمامها إلى الجوقة، إنما السؤال الهادئ: لم عليها أن تفعل؟ فإذا استثنينا ساعات النوم، وما لمثلها أكلاً وراحة، وما تستغرقه برغم عنك التكاليف الحياتية والاجتماعية، فماذا يتبقّى؟ وقت يكاد يكون كافياً لتثقيفك الذاتي، فإذا أضفنا إلى ضيقه دردشة البلاك بيري، ومضيعة التويتر والفيسبوك، فقل على القراءة السلام، ولأنك ستودّع الوقت الذي استقطعته للاطلاع وضحيّت به على مذبح التويتر وشاكلته، فقل على الكتابة السلام إن كانت صنعتك، ولا أرمي هنا إلى رص الكلام على عواهنه، فهذا النوع الإنشائي أزعم أنه متوفر وفي انتشار، ولكني أعني الكتابة بعد فكر وتأمّل مروي بعصب البحث والتنقيب، وإن لم يكن بد من التحدي، فهل يجزم أهل التويتر والفيسبوك أن انخراطهم في المعّمعات التواصلية لم يكن على حساب اطلاعهم الجاد؟ فماذا جنوا في مقابل «طق الحنك»؟ وهو مصطلح شعبي شامي يُطلق على هدر الوقت في الثرثرة، ما يعيدنا إلى مقولة الفيلسوف سيوران: «مهمتي قتل الوقت، ومهمته قتلي، قاتلان متواطئان». الهوس المحموم بالتويتر والفيسبوك قد لا تصل عدواه إلى من لا ينتقص من ثقافته شيء إن أعلن عزوفه صراحة، ولكن فكِّر ولو للحظة فيمن يعتقد أن إنكاره دليل بيّن على نقصه المعرفي، فيظن في نفسه وكأنه مطالب بركوب الموجة، ولو كلّفه إدعاؤه توظيف أحدهم ليتفرغ للمهمة باسمه، ولأننا سمعنا أنه كلما ارتفع عدد الأتباع، كلما تفوق الاسم التويتري على غيره من المغرّدين، فلا تستغرب أن يكون الهدف إعلاء رقم المريدين وصولاً إلى التميّز المفترض، إنها فلسفة التغريد ولكل مرحلة تغريدها، هذا ما يفاجئني به من يسألني عن حسابي في تويتر! (وبالمناسبة هل هي: على تويتر أم في تويتر؟) فكيف أتحكم بعفويتي كل مرة يخبرني فيها أحدهم بعدد أتباعه؟ هل أحيّيه على تعلقه برقم؟ أو أعزيه على توهمه مكانة افتراضية في مجالس افتراضية؟ من يقرر الانخراط في صولات وجولات التويتر، فهو إما أنه مستعد وجاهز لما هو مقبل عليه، يجيد رمي الكرة وصدها، أو أنه يتمتع بقدر من السذاجة لابأس به لمن يتحيّن الفرصة لاصطياده وكل ما يمثله، ولا أرى التورط في هذه المواقع إلاّ ومعه موافقتك الضمنية على ثقافتها، فلا تنتظر حال من يرتاد المكتبة بوقارها وسكينة طابعها، كمثل القاصد سوقاً عامة فيها من كل حدب وصوب ما يوحي بالتنوّع، وهو إلى الفوضى أقرب، ومع هذا، فكما أن المكتبة تلبّي احتياجاً فكرياً هاماً، فكذلك السوق ضرورية لإرضاء جوع زبائنها على اختلافهم، ولكنك لا تملك تكنيس السوق بلا انقطاع وانتقاء، وإلاّ فستكون وجبة لفراغ كبير ينهش حياتك ويقضمها شيئاً فشيئاً. يقول أديبنا العقاد: «وليست حاجة الناس إلى الشيء هي مقياس العظمة فيه، فالناس يحتاجون إلى سنابل القمح، ويستغنون عن اللؤلؤ، وليس القمح بأبدع تكويناً ولا أغلى ثمناً من الجوهر الذي لا نحتاج تلك الحاجة إليه»، وكذا هي سوق التويتر والفيسبوك (تختلف عن المواقع المتخصصة ولا تقارن بالقمح وإنما لتقريب المسألة)، فقد يكون إقبال الناس عليها في أحسن الأحوال إرضاءً لحرمانهم من التواصل وحرية التعبير الكافي، فعل حيوي يخفّف من رتابة الزمن، ولكنه مبرر لا يمنع انزلاقك في ردود تُحسب عليك، ويبنى عليها مهما صار حرصك، ولا ينفي كونها ثقافة سوق عامة مهما كانت.